رفع الدعم في تونس.. شرّ لا بدّ منه

رفع الدعم في تونس.. شرّ لا بدّ منه

20 أكتوبر 2014
الحكومة اضطرت إلى رفع أسعار الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

أثار قانون الموازنة التكميلية لعام 2014 جدلاً محتدماً بين الحكومة التونسية والأوساط الشعبية والنقابية من جهة أخرى، خاصة في نقاطه المُتعلقة برفع الدعم عن بعض المواد الأساسية والمحروقات، ويعد هذا الملف من أهم الموضوعات التي ستواجه الفائز في سباق الانتخابات البرلمانية في تونس.

وحسب محللين "تعدّ منظومة الدعم في تونس من أبرز أسباب اختلال توازن الموازنة العامة وحدوث عجز بها، حيث تطوّر حجم الدّعم المُباشر من 1.5 مليار دينار (833 مليون دولار) عام 2010 إلى 4.3 مليار دينار (2.38 مليار دولار) في 2012، مُسجلة بذلك زيادة بنحو 2.8 مليار دينار، وهو مبلغ منهك للاقتصاد التونسي الذي يمرّ بفترة بالغة الخطورة، ثم ارتفع عام 2013 إلى 5.5 مليار دينار (3 مليارات دولار) متجاوزاً بذلك نفقات التنمية.

واستأثر قطاع الطاقة بمُفرده عام 2013 بنصيب الأسد من القيمة الإجمالية للدّعم المُباشر بنسبة 68% مُقابل 37% عام 2010. وسجل قيمة الدّعم المُباشر للطاقة ارتفاعاً كبيراً من 203 ملايين دينار عام 2004 إلى 3.734 مليار دينار عام 2013.

ورغم تضاؤل نسبة الدّعم المُخصّصة للمواد الأساسية من 48% عام 2010 إلى 33% عام 2014، إلا أن هذه النسبة تبقى مُكلفة جدّاً لميزانية خاصة مع تفشي ظاهرتي التهريب والتجارة الموازية.

وفي ظل تحفظ المسؤولين بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم عن الحديث عن التصريح حول هذا الموضوع بدون مبرر مقنع، تحدثنا إلى الخبير الاقتصادي الدولي معز الجودي، الذي أكّد لـ "العربي الجديد" أن صندوق الدعم أصبح معضلة مُكلفة ضاعفت من عجز الميزانية الذي قاد الاقتصاد إلى المديونية والاقتراض المجحف لتمويل المصاريف العمومية.

وقال الجودي إن الاقتصاد التونسي "لم يعد قادراً على تحمل كل هذا العجز بسبب الدعم، وأن رفعه لم يعد اختيارياً، بل إن الدولة مُجبرة على النظر في إصلاح منظومة الدعم الذي تُقدّر نسبة مُستحقّيه الحقيقيين بـ 12%، مقابل 70% من المُتمتعين به على غير حق.

ويقترح الجودي ثلاثة حلول لإصلاح هذه المنظومة؛ وهي توجيه الدعم إلى مُستحقيه و"فرض رسوم على الأجانب المُقيمين في تونس لفترات طويلة، مثل الأشقاء الليبيين الذين يبلغ عددهم اليوم بتونس أكثر من مليوني فرد ويستهلكون معنا محروقاتنا المدعمة للمُشاركة في إنقاذ الميزانية"، وأضاف "يجب أن نعمل على الحد من الاقتصاد المُوازي الذي تجاوز نسبة الاقتصاد الرسمي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ 53%".

وأشار إلى ضرورة اتجاه الدولة إلى رفع الدعم تدريجياً، كما دعاها إلى التفكير في مجموعة آليات تجعل المواطن يستسيغ قرار رفع الدعم، ولا يعترض عليه كما في البلدان المتقدمة "التي لا تدعم المحروقات مثلاً، لكنها توفّر نقلا عموميا متطورا لا يترك المجال للتذمر".

وأكد الجودي في هذا الصّدد أن "الحلول موجودة وكثيرة لإيجاد آليات توجيه الدعم لمُستحقيه على غرار تجربة "البطاقات الذكية" التي وفرتها مصر وأميركا اللاتينية للمنتفعين بالدعم حتى يقدموها للبائعين عند القيام بمشترياتهم".

ويعتبر الجودي أن "قطاع الطاقة لا تنحصر مشاكله العالقة في مسألة رفع الدعم أو الإبقاء عليه، بل لن يتجاوز الأزمة إلا إذا ما أعيد النظر في منظومة إنتاج وتصدير وتوريد المحروقات، بمحاولة الزيادة في الإنتاج وتنويع محطات التكرير التي لم تتجاوز المحطة الواحدة في تونس، وضرورة قبول ومُناقشة عقود التنقيب والاستغلال مع الأجانب والكفّ عن طردهم ولا سيما أن كلفة التنقيب مرتفعة جداً، ولن تقدر عليها سوى الشركات الأجنبية العملاقة وباعتبار أن الاستهلاك ارتفع بشكل كبير".

يذكر أن العديد من المواد لم تكن مدعومة في تونس، والتحقت بمنظومة الدعم يوم 13 يناير/كانون الثاني 2011 إثر آخر خطاب توجه به الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في محاولة فاشلة منه لتهدئة الجماهير الثائرة والبقاء في السلطة، وإنه منذ تلك الفترة بدأت ميزانية صندوق الدعم تتفاقم ليصبح إلغاؤه شرّا لا بدّ منه حسب محللين.

المساهمون