ترنح الإقتصاد الأوروبي يخنق تونس

ترنح الإقتصاد الأوروبي يخنق تونس

13 فبراير 2014
ترنح الإقتصاد الأوروبي يخنق تونس
+ الخط -


عادت الحياة السياسية لتمضي قدما بعد أشهر من الجمود السياسي الذي أصاب تونس خلال عام 2013. وبعد التوصل إلى ترتيب توافقي بين الأحزاب السياسية الرئيسية توسطت فيه منظمات المجتمع المدني الكبرى في ديسمبر/كانون الأول، تم تعيين رئيس وزراء انتقالي في يناير/ كانون الثاني، ووافق المجلس الوطني التأسيسي على الدستور وتم الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية لوضع اللمسات النهائية للدستور الجديد وقانون الانتخابات والإعداد لانتخابات عامة جديدة.

ومع ذلك، فإن التحديات السياسية والأمنية لا تزال تؤثِّر بشدة على الاقتصاد التونسى. إذ يؤكد البنك الدولي في أحدث تقاريره الصادرة في 7 شباط/ فبراير الجاري أن "تحسن معدلات النمو الذي شهدته البلاد في النصف الثاني من عام 2012 لم يستمر في عام 2013 وحدث تباطؤ ملحوظ في الربع الثالث من 2013 ، وما زالت آفاق التعافي في 2014 ضعيفة".

ويلفت البنك في تقريره الذي يحمل عنوان: "تباطؤ النمو الاقتصادي يُعزِّز الحاجة إلى إجراء إصلاحات"، إلى أن "البيانات ربع السنوية تظهر أن معدل النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي هبط إلى 2.8 في المئة في المتوسط في الأشهر التسعة الأولى من عام 2013 بالمقارنة مع 3.8 في المئة في الفترة نفسها من2012.

وخفض البنك الدولي تنبؤاته لمعدل النمو في 2013 من 3 في المئة إلى2.6 في المئة".

ويضيف التقرير أنه "في إطار سيناريو انحسار التوترات السياسية وحدوث تعاف اقتصادي في منطقة اليورو، تذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن معدل النمو سيبلغ نحو 3 في المئة في 2014.

ويشهد الاستثمار ولاسيما الاستثمار الأجنبي المباشر ركودا مع اتخاذ المستثمرين موقف الانتظار والترقب.

وتظهر بيانات نشرتها وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية أنه على الرغم من زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الأشهر العشرة الأولى من عام 2013 ما كانت عليه في الفترة نفسها من 2012 ، فإنها لا تزال أقل من مستويات ما قبل الثورة.

ولم يُلاحَظ سوى انتعاش طفيف في الصناعات التحويلية ولاسيما في الكهرباء والصناعات الغذائية. وشهد قطاع الخدمات أكبر هبوط في الاستثمار، إذ انخفض 22 في المئة، تلاه القطاع الصناعي الذي هبط 5 في المئة ، ثم الطاقة الذي تراجع 4.3 في المئة".

ويتابع التقرير: "يُعزَى هبوط الاستثمار الأجنبي المباشر في معظمه إلى انخفاض التدفقات الاستثمارية من فرنسا، وهي أكبر بلد مرسل للاستثمار إلى تونس بين عامي 2008 و2012.

وهبط الاستثمار الأجنبي المباشر من فرنسا من 1105 مشروعا تم تتبعها في عام 2008 إلى 414 مشروعا في 2012 مسجلا انخفاضا نسبته 35 في المئة.

وتسجل الاحتياطيات المالية العامة لتونس حاليا تراجعاً سريعاً من جراء السياسة المالية التوسعية التي امتد العمل بها في 2013. وزادت النفقات الجارية من 17.8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2010 إلى ما يقدر بنحو 24.6 في المئة في 2013 وهي زيادة نسبتها 7 في المئة ، بينما انخفض إجمالي الإيرادات الحكومية، وظل العجز العام للميزانية مرتفعا ويُقدَّر أنه وصل إلى 6.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 (على أساس الإلتزام صعودا من 0.6 في المئة من هذا الإجمالي في 2010).

ويعزي ذلك أساسا إلى زيادة فاتورة الأجور وارتفاع مصروفات الدعم. وفي الواقع، فإن الإنفاق على التحويلات النقدية والدعم تصاعد بشدة، وتشير التقديرات إلى أنه وصل إلى مستوى قياسي مرتفع قدره 7.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 بالمقارنة مع 3.6 في المئة فحسب في 2010".

ويقول البنك الدولي أن "البيانات الرسمية تظهر أن الإنفاق الكلي على الدعم ارتفع بين عامي 2010 و 2013 أكثر من ثلاثة أضعاف. ويُخصَّص أكثر من ثلثي الدعم للطاقة والثلث الباقي للسلع الغذائية الأساسية.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن عجز الميزانية قد يفوق 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي إذا لم تتخذ الحكومة الخطوات المبدئية لترشيد الدعم على مواد الطاقة وتضع ضوابط للميزانية. وأدَّى العجز المتصاعد إلى زيادة الضغوط التضخمية منذ عام 2012.

وفي نهاية 2013 ، يُقدَّر أن معدل التضخم قد وصل إلى 6.1 في المئة مقارنة مع المتوسط البالغ 5.6 في المئة في 2012، و3.3 في المئة في الفترة بين عامي 2000 و2010".

ويشير البنك الدولى الى أن " عجز الحساب الجاري استمر في الاتساع في عامي 2012 و2013 بسبب هبوط الطلب الأوروبي وركود عائدات السياحة وتحويلات المغتربين.

وعلى وجه الخصوص، انكمشت صادرات المنسوجات وهي إحدى صناعات التصدير الرئيسية لتونس، بنسبة 7.1 في المئة. وانخفضت عائدات السياحة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2013 قرابة 10 في المئة عما كانت عليه قبل عام (بالقيمة الحقيقية).

ومن المتوقع أن يكون إجمالي الاحتياطيات قد هبط إلى 7 مليارات دولار في عام 2013 من 11 مليار دولار في العام 2009. وهو ما يكفي لتغطية واردات ثلاثة أشهر فقط. ونتيجة لذلك، انخفضت قيمة الدينار التونسي 6.6 في المئة مقابل اليورو و7.1 في المئة مقابل الدولار حتى أغسطس/آب 2013".

ويتابع التقرير: "هناك بعض المؤشرات الإيجابية على تراجع معدل البطالة من ذروته في فترة ما بعد الربيع العربي.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة بلغ 15.7 في المئة ) مع وجود 620 ألف شخص بلا عمل) في الربع الثالث من عام 2013 منخفضا بنسبة 0.2 في المئة عن الربع السابق وبنسبة 1.3 في المئة عما كان عليه في الفترة نفسها من عام 2012.

لكن معدل البطالة ما زال مرتفعا بين خريجي الجامعات، إذ بلغ 33.5 في المئة في الربع الثالث من عام 2013 بالمقارنة مع 31.6 في المئة في الربع الثاني.

بل إن المعدل أكبر بين المتعلمين من الشباب. كما اتسعت الفجوة بين الجنسين، إذ تزيد معدلات البطالة كثيراً بين النساء (23 في المئة) ولاسيما المتعلمات (43.5 في المئة من الخريجات)، وفي المناطق النائية".

ويرد البنك الدولي "الزيادة في معدلات البطالة في فترة ما بعد الربيع العربي إلى انخفاض العمالة الموسمية في قطاع السياحة، وعودة أعداد كبيرة من التونسيين من ليبيا. وتشير التقديرات إلى أن المعدل سيبقى بين 15 و16 في المئة في العام 2014، إذ أن القطاع العام والشركات شبه الحكومية كانت المُحرِّك الرئيسي للانخفاض في أعداد العاطلين في 2012/ 2013".

ويقدر البنك الدولي أنه "سيتعين على تونس تحقيق نمو لا يقل عن 4.5 في المئة حتى يمكنها خفض معدل البطالة بحلول عام 2020.

وتهدف الحكومة، على الأمد المتوسط، إلى خفض أعداد العاطلين من خلال توفير 50 ألف فرصة عمل سنويا في الأعوام الخمسة القادمة. وعلى سبيل المثال، يهدف مشروع (تونس الذكية) الذي وافق عليهمجلس الوزراء في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني إلى اجتذاب استثمارات أجنبية ومحلية ولاسيما في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخلق فرص عمل للشباب المتعلم. ولا تزال الاختلالات الهيكلية قائمة، واذا لم تتم معالجتها على وجه السرعة فإنها قد تؤدي إلى مزيد من التأخير لآفاق انتعاش النمو".

ويضيف التقرير: "لا تزال تونس تواجه تحديات اقتصادية جسيمة من جراء التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية عبر المناطق. ومن بين هذه الأولويات الهيكلية سيكون من الضروري تقوية القطاع المصرفي وتعميق سوق المال المحلية من أجل تمويل أنشطة الاستثمار في هذا الصدد. ويمكن تحقيق ذلك، بإجراء تحسينات في بيئة ممارسة أنشطة الأعمال من أجل تشجيع الاستثمارات الخاصة".

 

دلالات

المساهمون