الدين العام في لبنان: أرقام عبثية

الدين العام في لبنان: أرقام عبثية

04 مارس 2014
كل طفل لبناني مولود حديثاً مدين بـ13 ألف دولار
+ الخط -

قال صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أن حجم الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي يصل الى 143.1%. ويحتل بذلك المرتبة 158 عالمياً في تدني نسبة الدين إلى الناتج. أي بتعبير آخر، يحتل لبنان مرتبة عالية جداً من حيث ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج.

بالنتيجة، أصبح كل طفل لبناني مولود حديثاً عليه دين بقيمة تتعدى الـ 13 ألف دولار... ولكن ما هو حجم الدين الفعلي؟ وكيف تطور خلال الأعوام الماضية؟

تشير المؤشرات العالمية، إلى أن لبنان من الأعلى خطورة من ناحية عدم القدرة على سداد الدين العام خلال السنوات المقبلة.وتكاد تصل نسبة الخطورة الى 30 في المئة. إلا أن التقارير الدولية تستند فعلياً الى الإحصاءات المحلية التي تقوم بتعداد الدين العام اللبناني وفق معادلات مغلوطة تقلص من حجم الدين من دون إعطاء الرقم الحقيقي، لتصبح تقديرات الدين العام في لبنان مجرد وجهة نظر.

فالدولة اللبنانية من خلال إحصاءاتها الرسمية تُسقط عن عملية احتساب الدين العام كل من البنود الإنفاقية الآتية: الإستهلاكات، الديون المستحقة على الدولة للمستشفيات وللصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، الديون المستحقة للبلديات والقاولين في الأشغال العامة إضافة إلى فواتير المؤسسات العامة وبعض الوزارات...

قيمة هذه الديون المستحقة على الدولة اللبنانية والتي يجب أن تحتسب من ضمن الدين العام اللبناني ترتفع قيمتها الى مليارات الدولارات، لا .. بل أن عدد من الإقتصاديين والمحللين الماليين يؤكدون أن حجم الدين العام الفعلي سيقترب من الـ 100 مليار دولار هذا العام.

وقد كان حجم الدين العام في لبنان خلال العام 1993 حوالي 4.6 مليار دولار، ليرتفع الى 18.6 مليار ولار في العام 1998، ومن ثم إلى 38.6 مليار دولار في العام 2006. ليصل حجم الدين العام في العام 55.7 مليار دولار في العام 2012، ويرتفع الى أكثر من 63.5 مليار دولار خلال الشهر الماضي. بذلك، ارتفع حجم الدين العام (غير الحقيقي) بقيمة 58.9 مليار دولار خلال 21 عاماً أي منذ العام 1993 حتى اليوم.

لا شك أن دمار الحرب الاهلية كان مرتفعاً، إلا أن سنوات إعادة الإعمار انتهت فعلياً في العام 2000، وما جاء من دمار نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 تمت معالجته عبر اعادة الإعمار من الهبات العربية والدول الغربية المانحة. بذا، يعود تضخم فاتورة الدين العام في لبنان إلى أسباب بعيدة عن التصريحات المعلنة: الفساد والهدر والزبائنية.

اذ يتكبد لبنان سنوياً أكثر من ملياري دولار على قطاع الكهرباء، في حين أن حجم التقنين الكهربائي يصل احياناً إلى 18 ساعة يومياً. ويتكبد لبنان كذلك خدمة للدين العام اللبناني تكاد توازي حجم الدين العام نفسه، ويستفيد منها عدد من المصارف الضخمة التي تسيطر بما يشبه الإحتكار على السوق المصرفية من جهة، وعلى تأمين تمويل الدولة مقابل فوائد مرتفعة جداً من ناحية أخرى.

وتشرح التقارير الدولية بصفحات وبشكل دوري عن مخاطر الإنفاق الضخم الحاصل في لبنان، إلا أن واقعاً سوريالياً يسيطر على العمليات الإنفاقية في لبنان. إذ ان الحكومات المتعاقبة منذ العام 2006 تقوم بالإنفاق من دون إقرار الموازنة العامة للبلاد بما يخالف كل القواعد القانونية والدستورية والمحاسبية الناظمة لعملية الإنفاق العام. ومنذ 9 سنوات حتى اللحظة، يتضخم الدين العام وترتفع الفاتورة الإنفاقية من دون وجود أية وثائق تشير ألى آلية الإنفاق، لا بل من دون مصادقة البرلمان على أي مشروع يتضمن إنفاق الأموال العامة.

أسباب هذه الحالة المالية العجيبة تعود إلى الحسابات المالية للدولة اللبنانية، التي شهدت كماً كبيراً من المخالفات، وقد أظهرت وزارة المال خلال الشهر الجاري وجود خلل في احتساب حجم الأموال الموجودة في صندوق الخزانة اللبنانية في العام 1993، ما أدى الى تراكم الخلل الحاصل من دون أي محاولة لمعالجته خلال السنوات الماضية. لا بل من دون التطرق إلى آليات علاجية اقترحها القضاء اللبنانية طوال السنوات الماضية.

الهستيريا الأمنية والسياسية التي تخض لبنان منذ اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري في العام 2005، تنسحب على جنون اقتصادي غير مشهود في تاريخ الدولة اللبنانية.

وحتى اليوم، توالى على الحكم فريقا 8 و14 آذار، إلا أن أياً من الفريقين لم يحاول الخروج من منظومة سوء ادارة المال العام، ولا إخراج لبنان من حالة الفوضى المطلقة التي تضرب مفاصل اقتصاده.

المساهمون