البنك الدولي يضع "الوصفة القاتلة"

البنك الدولي يضع "الوصفة القاتلة"

13 فبراير 2014
+ الخط -

أصبحت الأحداث الأمنية والسياسية أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تحول الإشكالات والاضطرابات من دون القيام بإصلاحات في عدد من الدول.

إلا أن هذه الاضطرابات ليست السبب الأساس لعدم تحقيق النمو، أو تطوير الاقتصادات. فالأزمة في البنية الاقتصادية والسياسية من دون أدنى شك.

وما يشهده عدد من الدول من اهتزازات أمنية أو تأثيرات من أزمات إقليمية، مجرد مكوّن إضافي سيئ على "طبخة" السياسات الاقتصادية الفاشلة.

آخر التقارير التي تحدثت عن تأثير الأمن والسياسة على الاقتصاد، هو التقرير الصادر عن البنك الدولي في 7 شباط/ فبراير الجاري (تم اعداده في نهاية الشهر الماضي). ويتحدث التقرير عن معوقات النمو في 7 دول هي: الأردن، لبنان، مصر، تونس، إيران، اليمن وليبيا.

فقد "تضرر الاقتصاد في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا بشدة من استمرار التوترات الإقليمية والبيئة الخارجية الحافلة بالتحديات".

هذا ما خلص إليه تقرير البنك الدولي الذي يلفت إلى "بطء وتيرة النمو الاقتصادي، في حين ان احتياطات المالية العامة آخذة في النضوب. ومعدلات البطالة في ازدياد، والتضخم يتفاقم في سبعة بلدان تسير على طريق التحول السياسي في المنطقة".

ويضيف التقرير: "لتفادي إذكاء السخط الاجتماعي والسياسي، استمر تأجيل إصلاحات تأخرت طويلاً وكان يمكن أن تحفز النمو وتساعد على تهيئة فرص العمل"، إلا أن إيراد عبارة "السخط الاجتماعي" في ظل الحديث عن "إصلاحات اقتصادية" يثير الاستهجان والغرابة.

إذ لماذا يمكن لإصلاحات اقتصادية أن تذكي غضباً اجتماعيا؟

هنا تأتي المفاجأة على لسان شانتا ديفاراجان، كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي: "لا ينبغي لحكومات هذه البلدان الاستمرار في اعتماد إجراءات تتعلق بالسياسات على الأجل القصير مثل زيادة أجور موظفي القطاع العام والدعم"،

إذ يُحدِّد التقرير أولويات الإصلاح والتحديات التي تواجهها هذه البلدان السبعة.

ويحذر التقرير من أن "زيادة الدعم العام وأجور موظفي القطاع العام سيضع ضغوطاً على المالية العامة للحكومات، ويقلص حيز المالية العامة المتاح لأولويات الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والاستثمار في البنية التحتية".

هي دعوة للتقشف إذن، واستمرار سياسة التوظيف عبر التعاقد، ونزع الدعم عن المواد الأولية الحياتية التي لا تزال معتمَدة في عدد من الدول.

إجراءات لا شك في أنها ستحدث اضطرابات اجتماعية في هذه الدول التي يستهدفها التقرير بوصفته السحرية، وخصوصاً أن قاعدة الفقر تتوسع بشكل دراماتيكي، والأسعار تحلّق مع مستويات التضخم المتزايدة، في مقابل تراجع القدرة الشرائية بشكل كبير في الدول المذكورة في التقرير.

والملفت أكثر في هذا التقرير أن البنك الدولي يشير إلى الثغرات الأساسية التي تصيب هذه البلدان وتحدّ من نموها:

"المحسوبيات، الفساد، سوء الإدارة،ضعف الاستثمار ولا سيما في الصناعة ومرافق البنية التحتية.التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. نقص إمكانيات الوصول إلى المستشفيات والعيادات الحكومية لمحدودي الدخل. سوء إدارة الموارد النفطية...".

مشكلات تعتبر بنيوية لا هامشية، وهي كفيلة وحدها بتأزيم الاقتصادات وإنهاكها، إلا أن البنك الدولي، وكما في معظم "نصائحه"، يعتمد على إجراءات نظرية بعيدة عن واقع المجتمعات التي يستهدفها بتقاريره، إذ يُعتبر الفساد والمحسوبيات من الخاصيّات الأساسية المشتركة بين الدول السبع التي يتحدث عنها في التقرير. وعلى الرغم من أن هذه المعلومة متوافرة في العديد من التقارير والأبحاث، إلا أن البنك الدولي لا يزال مصراً على نظرية أن الخصخصة في جميع الدول هي الحل لتدهور الاقتصاد.

من هنا، يلاحظ التقرير أن "القطاعات العامة وشبه العامة كبيرة وهائلة وتعوق تنمية القطاع الخاص في هذه البلدان". بهذا، يجلس البنك الدولي خلف بلّورته السحرية، ينظر إلى بلدان العالم ويعلن الحل المجيد.

لكن نظرة عن كثب في التركيبة الاقتصادية لكل من لبنان واليمن والأردن وليبيا وتونس وإيران ومصر تبين أن الفساد المستشري في القطاع العام وتعاظم حجمه وقلة إنتاجيته أسبابها معلومة لأبناء هذه الدول:

شبكة من العلاقات الأخطبوطية والمحسوبيات التي تعتبر القطاع العام ملجأ التوظيف السياسي، إضافة إلى حجم الأجور المنخفض في القطاع العام وضعف الرقابة، مما يزيد من ظاهرة الرشاوى.

أما واقع الأسواق فهو يشير إلى ترّكز اقتصادي يصل حد الاحتكار الأحادي في عدد كبير من القطاعات.

والمستفيدون من هذا التركز والاحتكار هم القيمون على الشركات الأساسية في القطاع الخاص، وهم أنفسهم من يسيطرون على السلطات السياسية في البلدان النامية، وهم الذين يفرضون الخراب على القطاع العام.

في ظل هذه الحقائق التي تنسف النظرية بقنبلة الواقع، هل الخصخصة هي الحل؟ أم أنها وسيلة للمزيد من التركّز والفساد ونمو ثروات القلة على حساب الأكثرية؟ وهل خنق القطاع العام ووقف الدعم هو العلاج لتحقيق وفرة في ميزانيات الدول؟ أم وقف هدر الأموال العامة وفرض إصلاحات تتوجه بشكل مباشر إلى أصحاب الثروات لتحقيق عدالة في توزيع الدخل الوطني؟.

لا يمكن للبنك الدولي الإجابة، فهو بطبيعة الحال لا يعترف سوى بالحلول "الأكاديمية"!

المساهمون