3 أهداف للممر الهندي الخليجي الأوروبي: تقويض النفوذ الصيني على رأسها

22 سبتمبر 2023
احتفال بنجاح قمة العشرين ومقترح مشروع الممر التجاري (Getty)
+ الخط -

تسعى واشنطن وحلفاؤها في أوروبا وآسيا إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية من الممر التجاري والاقتصادي الجديد، الذي يربط الهند بدول الخليج وأوروبا وجرى الإعلان عنه في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند في التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري.

وهذه الأهداف هي، أولاً: المساهمة في دفع خطوات تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهو هدف رئيسي بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن يسعى لتحقيقه قبل الانتخابات الرئاسية، التي سيبدأ التنافس عليها في العام المقبل، وثانياً: تقليص النفوذ الصيني والروسي في منطقة الخليج الغنية بموارد الطاقة، وتلقائياً منافسة مبادرة" الحزام والطريق" في المنطقة، وثالثاً زيادة النفوذ التجاري والسياسي لكل من الهند وأوروبا مع دول مجلس التعاون الخليجي.

ووقعت دول عدة على مقترح الممر الاقتصادي الجديد، الذي يعرف اختصاراً بممر"الهند الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي ـ IMEU"، منها الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والسعودية والإمارات.
وبحسب بيان البيت الأبيض، فإن المبادرة "ستتألف من ممرين منفصلين، الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي والممر الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا. وسيشمل الممر خطاً للسكك الحديدية يربط بين السفن في المحيط الهندي إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البحري والبري الحالية، ما يتيح عبور البضائع والخدمات من الهند عبر منطقة مجلس التعاون الخليجي إلى ميناء حيفا على البحر الأبيض المتوسط ثم إلى أوروبا.
وبحسب مصادر مجلة "دبلومات" التي تصدر في سنغافورة، فإن كلفة الممر المقترح لم يعلن عنها بعد، لكنها تقدر أن الدول الشريكة " في المشروع قد تخصص ما يقدر بنحو 20 مليار دولار" لتنفيذ الممر الاقتصادي.
على صعيد الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها الدولة الشريكة في الممر، فإن الهند تسعى لزيادة تجارتها المتنامية مع أوروبا ودول الخليج، إذ تجري الهند مفاوضات مع الكتلة الأوروبية للوصول إلى اتفاق تجارة حرة. وتشجعها في ذلك الولايات المتحدة التي تستهدف توثيق العلاقات التجارية بين بروكسل ونيودلهي، كشركاء رئيسيين لواشنطن في الصراع الجاري بين الولايات المتحدة وتحالف "موسكو ـ بكين" على بناء" النظام الدولي" الجديد بعد نهاية الحرب الأوكرانية.
وحسب البروفسور مدير قسم الشرق الأوسط في مركز جورجيا للدراسات إيميل أفادياني، فإن صادرات الهند إلى دول الاتحاد الأوروبي بلغت 70 مليار دولار في العام الماضي، وتتجه نحو الارتفاع خلال الأعوام المقبلة.
وتقترح نيودلهي اتفاقية تجارة حرة تجمع بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا. ويلاحظ أن هنالك قفزة كبيرة في حجم التجارة بين الهند وأوروبا، حيث بلغت 186 مليار دولار في العام الماضي 2022. ولاحظ البروفسور إيميل أن حجم التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي ارتفع بمعدلات ضخمة خلال عام واحد، من 87.4 مليار دولار في العام 2021 إلى 154.7 مليار دولار في العام 2022. وهو ما يعني أن هنالك قفزة كبيرة في التجارة بين الهند والدول الخليجية. كما أن الهند تسعى إلى ربط دول التعاون بنظام تسويات تجارية بالعملات المحلية. ولدى الهند حالياً اتفاقية تسوية للمبادلات التجارية مع الإمارات تجرى بالدرهم والروبية بعيداً عن الدولار.

وفي ذات الشأن، يرى تحليل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز دراسات أوروبي، أن التوقيع على هذا الممر من قبل دول الخليج لا يعني أن الهند ودول الخليج تعطي الأولوية لهذه المبادرة على غيرها. ويقول: "في الواقع، إنهم يعملون بنشاط مع روسيا على تطوير ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، وفي حالة دول الخليج، يجرى أيضًا السعي إلى توثيق العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين".

وزادت العلاقات التجارية بين روسيا والهند وروسيا ودول الخليج بشكل كبير منذ أوائل عام 2022. ويرى خبراء أن الممر الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط يعزز النفوذ الجغرافي الاقتصادي لأوروبا بمنطقة الخليج، ولكنه لن يزيح النفوذ الصيني من المنطقة الخليجية.
وبالنسبة لمحاولة للتنافس الغربي مع النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة العربية عبر مبادرة الحزام والطريق"، يرى محللون أن هنالك عدم تطابق في وجهات النظر بين دول الخليج والغرب، إذ يعتقد الغرب أنه لا يزال بإمكانه تعزيز نفوذه الإقليمي على حساب الصين، ما يوفر بديلاً لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين قبل سنوات. لكن الجهات الخليجية، حسب تحليل مجلس العلاقات الأوروبي، ترى هذا الاتفاق على إنشاء الممر التجاري يأتي  ضمن سياق نظام عالمي جديد تتمكن دول الخليج من خلاله موازنة العلاقات مع كل من الصين والغرب لتحقيق أقصى قدر من المكاسب التجارية.

ويصف محللون إقليميون العالم متعدد الأقطاب بأنه عالم مفيد لمصالح المنطقة العربية، لأنه ببساطة غير مشروط بالقوى العظمى، ولكن من المرجح أن تكون القوى العظمى فيه "مشروطة بالقوى المتوسطة والصغيرة"، مثل دول الخليج نفسها.
وحسب تقرير بمجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، فإن دول الخليج  تعمل على توظيف موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا لخدمة مصالحها التجارية والاقتصادية ، وبالتالي فإن مشروع الممر الاقتصادي بالنسبة لها ليس منافساً لمبادرة "الحزام والطريق"، ولكن سيزيد من مصالحها مع الصين وأوروبا.

وعلى مستوى استفادة دول الخليج، يرى محللون أن دول مجلس التعاون الخليجي الست ستستفيد من الممر التجاري لأنه سيزيد من نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي المتزايد مع كل الغرب والصين وروسيا. وبالتالي يرى كل من الخبيرين جوليان بارنز وسينزيا بيانكو، في تحليل بهذا الصدد، أن دول الخليج ستقاوم الضغوط الغربية لحملها على التراجع عن علاقاتها الاستراتيجية المتزايده مع الصين وروسيا. ومن غير المرجح أن يتغير هذا حتى لو واصلت دول الخليج الاعتماد على الولايات المتحدة في دعم أمنها.

علاقات الخليج مع روسيا والصين
في هذا الصدد، يقول خبراء إنه منذ حرب أوكرانيا، أصبحت الإمارات ملاذاً آمناً لرأس المال الروسي، فضلاً عن كونها مركزاً رئيسياً لنقل التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا. وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، صدرت الدولة الخليجية مكونات كمبيوتر ومعدات اتصالات ومعدات إلكترونية بقيمة 233 مليون دولار إلى روسيا، مقارنة بمليوني دولار في نفس الفترة من العام الماضي. وبالمثل، عززت السعودية شراكتها في مجال الطاقة مع موسكو لإبقاء أسعار النفط مرتفعة على الرغم من الضغوط الغربية، كما واصلت استيراد كميات قياسية من منتجات النفط الروسية بأسعار منخفضة.
وعلى صعيد بكين، تعد الصين الآن أكبر مشتر منفرد للنفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من القلق الغربي، تهيمن شركة هواوي الصينية على سوق البنية التحتية الرقمية في الدول الست، وتمتلك بكين حصصاً في موانئ إقليمية استراتيجية مثل الدقم في عمان وميناء جدة السعودية. وبالتالي فإن تقليص النفوذ التجاري الصيني عبر هذا الممر التجاري والاقتصادي قد يبدو شبه مستحيل وسط الروابط التجارية القوية بين دول مجلس التعاون وكل من الصين وروسيا.
ويرجح الخبيران جوليان بارنز وسينزيا بيانكو، في تحليلهما، أن الممر التجاري يحتاج لتحقيق أهدافه إلى رؤية تجعل منه منصة أوسع لتعزيز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة العربية، وألا يقتصر على الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، بل يجب أن يمتد إلى مناطق ودول أخرى.
ويقولان إنه يجب أن يشمل  الممر سلطنة عمان مثلا، والتي يمكن أن توفر وصولاً أوسع إلى الموانئ، وتركيا، التي يمكن أن يؤدي إدراجها إلى تشجيع وقف التصعيد في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ ومصر، لتهدئة المخاوف حول تجاوز الممر قناة السويس، وإيران، حيث يوجد مضيق هرمز، لخفض التصعيد الإقليمي مع طهران.

المساهمون