تقرير أميركي يحذر من ثورات عربية جديدة

تقرير أميركي يحذر من ثورات عربية جديدة

19 فبراير 2014
+ الخط -

لا تزال الوصفات الأميركية تنهال على الدول العربية وخصوصاً تلك التي شهدت ولا تزال ثورات شعبية.

وصفات غريبة عن مشكلات المواطنين. وحلول يتم اسقاطها على مجتمعات تعاني من أعلى معدلات في الفقر والبطالة والتضخم وسوء توزيع الدخل الوطني. وإجراءات تخلت عنها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، عبر إعلان رئيسها باراك أوباما إعادة الدعم الرسمي للخدمات العامة.

آخر ما صدر في هذا الصدد، هو تقرير أميركي يحذر من "تداعيات الفشل الاقتصادي في البلدان العربية التي تمر بفترة انتقالية".

ويعتبر التقرير، الصادر عن "مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط" التابع لمعهد الأبحاث والسياسة العامة الأميركي أن هذا الفشل "سيؤدي إلى اندلاع جولة أخرى من عدم الاستقرار السياسي والاضطراب، وربما اندلاع ثورات جديدة من جانب السكان الذين أصبحوا أكثر جرأة".

ويحدد التقرير 6 دول عربية، تمر بمرحلة انتقالية وهي مصر والأردن وليبيا والمغرب وتونس واليمن.

وأعلن المجلس الأطلسي الأميركي عن تأسيس مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في العام 2011. ويحمل المركز اسم رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، الذي تتم اغتياله في بيروت في العام 2005. وتم تأسيس المركز عبر هبة من قبل بهاء الحريري كتكريم لوالده. ويعمل المركز على إجراء دراسات وأبحاث سياسية واقتصادية واجتماعية.

 نظرية الاقتصاد الحر

يعتبر التقرير، الذي كتبه الخبير الاقتصادي محسن خان (مدير سابق في صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى) أن "معدل النمو الاقتصادي المرتفع والمستدام الذي يؤدي إلى خلق فرص عمل كبيرة سيتحقق فقط، إذا أصلحت البلدان العربية اقتصاداتها لتصبح سياسة "السوق" ( تحديد الأسعار بالعرض والطلب وتحرير التجارة) اللاعب الرئيسي فيها والسماح للقطاع الخاص للقيام بدور رائد".

ويغفل التقرير الإشارة إلى قضية أساسية في هذا الطرح. إذ إن الدول العربية المذكورة في التقرير حررت اقتصادها منذ سنوات طويلة، باستثناء ليبيا. وأياً من هذه الدول لا يعتمد الاقتصاد الاشتراكي ولا الموجّه. في حين أن الأزمة الأساسية في هذه الاقتصادات هي الاحتكارات الواسعة النطاق التي تطاول كافة الأسواق والتي لم يعرف لها "الاقتصاد الحر" حلاً... احتكارات أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وازدياد الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وما يلحق ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة والعوز.

من جهة أخرى، وبعكس ما يقول التقرير، أدى تحرير التجارة المطلق إلى إغراق أسواق هذه الدول ببضائع أجنبية حطمت القطاعات المحلية وقلصت فرص العمل وحصرت العمل الإنتاجي بقطاعات ضيقة.

علماً أن الاتحاد الأوروبي نفسه يطبق اجراءات حمائية على بعض قطاعاته، ولا يزال متحفظاً على تحرير التجارة مع الولايات المتحدة خوفاً على مصالح المستهلكين!

صندوق النقد مجدداً

ويشرح التقرير الصادر عن مركز "رفيق الحريري للشرق الأوسط"، أن "الاصلاحات ثبت أنها قيمة، كما تشير الدلائل في آسيا وأميركا اللاتينية. وتتضمن ترشيد نظام الدعم، وتوسيع القاعدة الضريبية دون إبطاء الاستثمار الخاص وخلق فرص العمل، وتخفيض العمالة في القطاع العام".

كما يدعو التقرير إلى "الخصخصة، وتبسيط القواعد التنظيمية للأعمال والاستثمار، وتحسين مرونة سوق العمل بتعديل قوانين ولوائح العمل، وتطوير نظام مالي حديث لدعم القطاع الخاص".

ويقول المركز المتخصص في دراسة الانتقالات السياسية والأوضاع الاقتصادية في الدول العربية في التقرير، إنه "بدون هذه الاصلاحات والتحول الاقتصادي، ستكون الأهداف السياسية التي قامت الثورات من أجلها محل تهديد".

إلا أن التقرير لا يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى الأنماط الاقتصادية المتبعة في البلدان الـستة. إذ إن الثورات التي قامت في عدد من هذه البلدان لم تغيّر في الأنماط الاقتصادية التي كانت قائمة في العهود السياسية التي سبقت الثورات. وهي عهود تميزت اقتصادياً بخصخصة عدد كبير من المرافق لتصبح في يد متمولي السلطة.

وقامت بتوسيع عمل القطاع الخاص المرتبط بالأنظمة. ورفعت من معدلات الضريبة بما يخدم أصحاب المصالح... أما في الدول التي لم تشهد ثورات حتى الآن، والمذكورة في التقرير (الأردن والمغرب)، فهي لم تخرج يوماً عن قواعد صندوق النقد الدولي التي يقدسها التقرير. وكل هذه الإجراءات لم تحقق النمو كشرط لخفض معدلات البطالة!

الفقراء هدف دائم للتقشف

يوضح التقرير أن "الخطوة الأولى على الطريق تتمثل في العمل على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، ما يعني وضع المالية العامة تحت السيطرة ، والحد من الاختلالات الخارجية ، وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي".

ويضيف أنه "يتعين على الحكومات أن توازن بين هدفي تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي ونسبة نمو عالية، وعلى القادة السياسيين القيام بذلك في بيئة حيث يشعر السكان بالضيق ويطالبون بإدخال تحسينات فورية في مستوى معيشتهم"

ويتابع: "لتنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي ، للدول الست، يتطلب في المدى القصير، إعادة الاستقرار للاقتصاد الكلي الكلاسيكي مصحوبة بتطبيق إجراءات التقشف وسياسات تحدث طفرة في النمو".

يظهر اختلال نظرة التقارير الأجنبية التي تتوجه بنصائحها إلى بلدان المنطقة، من خلال وصفة النمو هذه التي تترافق مع "التقشف" والتي يربطها التقرير بـ "السكان الذين يعانون من مشكلات معيشية". إذ يعمل عدد كبير من هؤلاء السكان في القطاع العام الذي يطالب التقرير بتقليص حجم العمالة فيه، أي صرف الموظفين.

كذا، تتمثل اجراءات التقشف بالنسبة لصندوق النقد بتقليص الانفاق على الخدمات الإجتماعية، ووقف كل أشكال الدعم. ما يعني أن التقرير يدعو إلى تحقيق نمو صوري لا يأخذ بالاعتبار جيش العاطلين عن العمل الذي سينتج عن تحقيق هذا النوع من النمو.

الاستدانة هي الحل

يشترط التقرير لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وإدخال الإصلاحات الاقتصادية على المدى الطويل "التزام برنامج اقتصادي سليم فضلا عن الدعم المالي الخارجي الكبير لجميع البلدان باستثناء ليبيا، والتي يمكن أن تدير البرنامج بدون مساعدة خارجية.

ويلفت إلى أن "المؤسسات المالية الدولية مستعدة لتوفير التمويل في حال تعهد الحكومات بإقرار السياسات الاقتصادية اللازمة والحفاظ عليها لتحقيق أهداف الاستقرار والإصلاح".

ويضيف التقرير أن " المصدر الرئيسي الأخر للتمويل هو دول الخليج ، وستفرض شروطاً اقتصادية لمنح هذا الدعم ".

ويتابع " بعد ثلاث سنوات من التدهور الاقتصادي المتواصل، توجد بعض الأدلة على أن الاقتصادات في البلدان العربية سوف تتجه إلى تحقيق نمو في عام 2014 ، وتوجد علامة إيجابية وهي أن العديد من الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية طورت برامج اقتصادية شاملة بمساعدة من صندوق النقد الدولي تجمع بين التقشف وتحقيق نسبة نمو أعلى".

ويذكر التقرير أنه "إذا التزمت هذه الدول بالتعهدات الواردة في الاتفاقات، وأصبح التمويل الخارجي الكافي متاحا لها، فإن الصورة الاقتصادية من عام 2014 فصاعدا سوف تتحسن إلى حد كبير".

التقرير يخلص الى الحل الشهير وهو الاستدانة من الصناديق الدولية والعربية، والابتزاز الاقتصادي وفق شعار: المال في مقابل تحويل أسواق الدول العربية إلى مخزن تصريف بضائع الدول الكبرى.

أما هندسة الاقتصادات وفق مصالح الناس التي قامت بالثورات رافعة شعارات ضد الفقر والبطالة والفساد والتبعية الاقتصادية، فهي مطالب منبوذة.

المساهمون