العنصرية الاقتصادية تفوح من الأردن ومصر ولبنان

العنصرية الاقتصادية تفوح من الأردن ومصر ولبنان

11 فبراير 2014
+ الخط -
منذ بدء ظاهرة نزوح السوريين والفلسطينيين من سوريا إلى عدد من الدول هرباً من بطش النظام السوري، انطلقت حملات رسمية في عدد من البلدان العربية تحذر من انعكاسات النزوح على اقتصاد الدول المضيفة.

الماكينات الحكومية والبرلمانية بدأت بضخ أرقام مضخّمة وغير علمية عن حجم الخسائر الاقتصادية التي أصابت بلدانها. وبالتزامن، ارتفع صوت الماكينة ذاتها لطلب المساعدات والمعونات.

الدول الأساس التي تهوّل من تبعات النزوح على اقتصادها هي لبنان والأردن ومصر.

ثلاث دول يعاني مواطنوها أصلاً من أزمات اجتماعية ومعيشية مستمرة منذ سنوات طويلة، وقبل بدء الثورة السورية في عام 2011 طبعاً.

والملاحظ، في الدول الثلاث، محاولة الماكينة الحكومية تحويل المزاج الشعبي نحو ذم النازح السوري واعتباره مسؤولاً عن المشكلات الاقتصادية، بدلاً من إعادة المسؤولية إلى منبعها، إلى النماذج الاقتصادية – الاجتماعية المتبعة في هذه الدول من قبل الماكينة الحاكمة نفسها.

الوزراء والنواب والرؤساء الذين يسوّقون هذه النظرية ليسوا أقلية. فالكل يرمي بالمشكلة على النازحين، لكي يهرب من تحمل مسؤولية خراب البلد.

لبنان

في لبنان، تبرز التصريحات الصادرة في هذا الصدد عن وزير الطاقة والمياه اللبناني، جبران باسيل، والحزب الذي ينتمي إليه، أي "التيار الوطني الحر". فقد طرح التيار في نهاية عام 2013 ورقة تدعو الى "وقف استقبال النازحين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا وضبط الحدود بشكل كامل".

وفي حين قال باسيل إن النازحين يزيدون من تفاقم أزمة الكهرباء بحيث ارتفع حجم استهلاك الطاقة 3 آلاف ميغاواط، أشار إلى أن ما بين 220 إلى 230 الف لبناني مهددون بالبطالة جراء النزوح. لا بل أضاف ان الطلب على المياه يرتفع مع النزوح السوري والكلفة تقارب 450 مليون دولار.

وفي عملية حسابية "تنجيمية" قال باسيل إن كلفة النزوح السوري على لبنان بلغت 6 مليارات و100 مليون دولار.

وفصل الكلفة كالآتي: الكلفة على المالية العامة كخدمات مباشرة 1,1 مليار دولار وكلفة تحقيق الاستقرار(بما أن النازحين سيخلون بالأمن وفق منطق باسيل) 2,5 مليار وتقلص عائدات الدولة 1,5 مليار دولار.

أما الواقع ففي مكان آخر، إذ من الصحيح والقطعي أن النزوح السوري إلى لبنان سبب المزيد من استهلاك البنى التحتية، وصحيح أن النزوح من بلد يضم قاعدة ضخمة من الفقراء أدى الى منافسة اليد العاملة اللبنانية، وصحيح أيضاً أن كلفة الإيجارات السكنية ارتفعت، إلا أن هذه التأثيرات ليست السبب في الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، ولا في الانهيار المعيشي الذي يعيشه مواطنوه، إذ بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية بسنوات، وبعد دخول الميلشيات إلى السلطة، لم تستطع مليارات الدولارات التي صرفت أن تخفض مدة انقطاع الكهرباء التي تصل الى 18 ساعة يومياً، والإنفاق على الكهرباء يشكل أكثر من 40 % من الدين العام اللبناني، أي ما يزيد عن 25 مليار دولار حتى اللحظة، وهو مبلغ كان يمكن أن ينشئ منظومة كهربائية تاريخية في لبنان، بدلاً من أن يراكم ثروات زعماء لبنان.

من جهة أخرى، ترتفع نسب البطالة والهجرة بشكل مطّرد، لا بل يعتبر سياسيو لبنان ونوابغه الاقتصادية أن تحويلات المغتربين ثروة، في حين أن هذه الثروة ليست سوى آلية لتأمين استمرارية نظام زبائني يعيش على عرق وابداع الشباب اللبناني الذي لا يجد موطئاً في بلد المحسوبيات المذهبية والسياسية، ولا يمكن لمعدلات البطالة سوى أن تسجل ارتفاعات دراماتيكية مع تحويل الاقتصاد بشكل كامل الى اقتصاد ريعي قائم على فقاعة عقارية تكبر في انتظار أن تنفجر في وجه المقترضين القاطنين في لبنان، والذين يعانون ارتفاع اسعار السكن مقارنة بدخلهم الزهيد.

الأردن

الحال ذاتها تتكرر في الأردن، هذا البلد الذي يشبه لبنان إلى حد بعيد، إن كان من ناحية الفساد والاحتكار أو السياسة الاقتصادية القائمة على خفض النفقات الاجتماعية في مقابل البذخ في صفقات تصب أرباحها في اتجاه واحد، بالإضافة طبعاً إلى انعدام العدالة الاجتماعية في النظام الضريبي وتوزيع الدخل الوطني.

هكذا، يصبح انقطاع المياه عن المواطنين الأردنيين نتاج النزوح. وارتفاع الأسعار وضعف البنى التحتية ونمو الدين العام والاختلال الحاصل في الميزان التجاري وانهيار القطاعات الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة.

كلها مشكلات هبطت على المجتمع الأردني على غفلة من حكومته. وكأن الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية في الأردن مستوردة لا ناتجة عن أزمة بنيوية تضرب الأردن واقتصاده.

وليس من المستغرب ههنا، أن يخرج وزير المياه والري الأردني، حازم الناصر، بتصريح الأسبوع الماضي يقول فيه خلال جلسة مجلس النواب إنه "لم يبق للأردنيين مياه، فمياه الأردنيين نضبت أو شارفت على ذلك".

وليس من المستغرب أيضاً أن تلاحق السلطات الأردنية العمال السوريين على أراضيها بحجة منافسة العمالة الأردنية و"الإقامة غير الشرعية"!

مصر

إلى مصر، أم الدنيا التي تنكرت سلطاتها للسوريين الهاربين من المجازر. هنا، أصبحت قضية النزوح القسري جرماً يستدعي الملاحقة والسجن، بل عمدت السلطات المصرية الحالية إلى ترحيل عدد كبير من اللاجئين الى بلدهم الدامي، وفق تقارير "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية".

كما يُمنع عن كل لاجىء الاستشفاء والتعليم وممارسة أي نشاط تجاري يقيه الموت جوعاً.

الأسباب المعلنة خلف الملاحقات، اقتصادية واجتماعية وكذلك سياسية، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة معيشة خانقة منذ سنوات طويلة، لم يخفف من حدتها سقوط نظام حسني مبارك الذي كان قائماً على مبدأ تفقير الناس لتضخيم الثروة الشخصية لمبارك وحاشيته.

لا شك في أن السلطات اللبنانية والمصرية والأردنية تجعل من النزوح السوري شمّاعة فشلها في صياغة سياسات اقتصادية تحاكي أزمات الناس المستفحلة.

أكثر من ذلك، تحاول السلطات هذه رمي كبرى المشكلات المجتمعية في ملعب النزوح السوري.

والأهم، أصبحت قضية النازحين مادة تسوّل واستجلاب ايرادات مالية لهذه الدول، لتحويل قضية النزوح الى مورد "طبيعي" شأنها شأن "قرب الجبل من البحر"، واستخراج النفط والفوسفات.

إلا أن المشكلة الأساس هي في مكان آخر، في السلطات الحاكمة في هذه البلدان.

في النهج الاقتصادي والاجتماعي القائم على سلخ العدالة الاجتماعية عن جدول حقوق المواطنين.

في زيادة الثروات لقلة قليلة من الناس عبر ترسيخ منظومة اقتصادية تستجلب الاقتصاد الحر من طرفه، لتصبح قلة من الاحتكاريين تتحكم في الأسواق.

أما مشكلة ارتفاع اسعار العقارات والسكن والمواد الغذائية وغيرها، فهي ليست مسؤولية النازح بقدر ما هي ناتجة عن جشع تجّار السلطة والمال في هذه البلدان الثلاثة، الذين يستغلون مجزرة إنسانية لتعظيم ثرواتهم. وهي مسؤولية أجهزة رقابية لا تفرض هوامش للأرباح لدى التجار.

يقول جوزف ستيغلز في مقالته الأخيرة عن التعارض ما بين مصالح عموم الناس وبين "النخبة" فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية المتبعة: "يجب على بعض الناس فقط، على ما يبدو، أن يتكيّفوا دائماً مع مستوى المعيشة المتدني. لكن يحدث أن يكون هؤلاء الناس معظم الناس. ففي هذه البلاد كلنا لاجئون، وكل إنسان بلا قيمة".

 

المساهمون