موظفو تونس فرضوا كلمتهم بعد ماراثون من الضغوط

زيادة أجور التونسيين... 670 ألف موظف فرضوا كلمتهم بعد ماراثون من الضغوط

07 فبراير 2019
سلاح الإضرابات ساهم في زيادة الأجور (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

انتهت أزمة أجور موظفي القطاع الحكومي في تونس، باتفاق بين الحكومة والنقابات العمالية، يقضي بالزيادة في رواتب 670 ألف موظف ينتمون للقطاع الحكومي، بعد ماراثون مفاوضات شاقّ تخلله إضرابان عامّان حاشدان نفذتهما النقابات في وقت سابق. 

ويقضي الاتفاق الذي صادقت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل عليه، اليوم، بصرف الدولة زيادة في رواتب الموظفين مقسطة على ثلاث شرائح، ما يساعد على ترميم الوضع المالي المهترئ للموظفين بفعل الزيادات في الأسعار وارتفاع نسب التضخم إلى معدلات قياسية.

ويبطل قرار الاتفاق في زيادة الرواتب إضراباً عاماً ثالثاً في القطاع العام، كانت تتجه تونس نحوه يومي 20 و21 فبراير/ شباط الحالي. إذ ألغى الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الخميس، إضرابا عاما كان مقررا في وقت لاحق هذا الشهر بعد أن توصل إلى إتفاق مع الحكومة على زيادة أجور 670 ألف موظف عام، ليضعا بذلك نهاية لأشهر من التوتر.

ووقعت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، مساء الخميس، على اتفاق ينهي بهذا الشأن، و
جاء ذلك، رسمياً، في بيان صادر عن رئاسة الحكومة التونسية، علماً أن التوقيع تم بمقر الحكومة في العاصمة، بحضور كل من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي.


وحسب مصدر نقابي، يمثل المبلغ الذي قبلت به النقابات، الحدّ الأدنى من الزيادة التي حصل عليها أجراء القطاع الخاص وموظفو الشركات الحكومية، التي سبق لها أن وقّعت اتفاق زيادة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقدّر المصدر النقابي في تصريحه لـ"العربي الجديد"، القيمة الإجمالية للزيادة ما بين 850 و870 مليون دينار، أي ما بين 283 و290 مليون دولار.

وقال ذات المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن هذا الاتفاق مهم وسيساعد على السلم الاجتماعي واستقرار الوضع الاقتصادي في البلاد، ويشجع الموظفين نحو الانصراف للعمل وتحسين أدائهم في القطاع العام، معتبراً أن الإدارة التونسية العمود الفقري للاقتصاد المحلي.

وكشفت تفاصيل اتفاق الزيادة في أجور الموظفين الذي قبله الاتحاد العام التونسي للشغل، عن تمكين الموظفين من تعديل في الرواتب بقيمة تتراوح ما بين 135 و180 ديناراً حسب درجات الموظفين، تصرف على ثلاث شرائح.

ومن المفترض أن تصرف الشريحة الأولى بمفعول رجعي من ديسمبر/ كانون الثاني 2018، بقيمة 90 ديناراً، ثم شريحة ثانية تصرف في يوليو/ تموز القادم بقيمة 40 ديناراً، وشريحة أخيرة في يناير/ كانون الثاني 2020 بقيمة 50 ديناراً لمن سيحصلون على الحد الأقصى من الزيادات في الأجور، فيما لم تكشف بعد عن تفاصيل الزيادات في رواتب بقية الأصناف.

وكانت تونس تقترب من إضراب عام ثالث قرره اتحاد الشغل يومي 20 و21 من الشهر الجاري، قبل التوصل إلى مشروع الاتفاق بشأن الزيادة في رواتب موظفي القطاع الخاص.

وجرت المفاوضات بين اتحاد الشغل والحكومة تحت ضغط المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية والبرلمان، التي دعت إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق ينهي أزمة الأجور، ويوقف نزف الإضرابات العامّة التي كبّدت الاقتصاد خسائر قدّرها خبراء الاقتصاد بنحو 150 مليون دينار عن كل يوم عمل ضائع.

وبالتوازي مع مفاوضات الزيادة في أجور القطاع الحكومي، سير اتحاد الشغل مفاوضات بشأن الزيادات الخصوصية التي طالب بها مدرّسو التعليم الثانوي، انتهت أيضاً إلى مشروع اتفاق يقضي بمضاعفة المنح والحوافز التي يحصل عليها مدرسو المرحلة الثانوية، فضلاً عن صرف منحة جديدة تقدر بـ75 بالمائة من الأجر الخام، تصرف مرة في السنة.

ومنذ انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد إن حكومته ستعمل على إيجاد أرضية عمل توافقية مع النقابات، فيما أبدت هذه الأخيرة مرونة بشأن العروض المادّية المقدمة.

وكان الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، أكد أن النقابات لن ترضى إلا بزيادة ترمم القدرة الشرائية للموظفين في حدود ما حصل عليه نظراؤهم في القطاع الخاص، والعاملون في الشركات الحكومية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تمكنت الحكومة من توقيع اتفاق مع اتحاد الشغل قضى بصرف زيادات في أجور موظفي القطاع الخاص والشركات الحكومية، تراوحت بين 180 و275 ديناراً.

وكانت حكومة الشاهد تنوي تجميد أجور موظفي القطاع الحكومي، بضغط من صندوق النقد الدولي، الذي يحثّ على إبقاء كتلة الأجور في حدود 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي وقت سابق قالت مصادر نقابية مسؤولة لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد سحب الفيتو بشأن الزيادة في رواتب إجراء القطاع العام، ما قد يكون وراء تسهيل التوصل إلى مشروع الاتفاق الحالي.

في المقابل، قال الوزير المكلف بالإصلاحات الاقتصادية توفيق الراجحي في تصريحات إعلامية أمس، إن الحكومة حرصت على ألا يكون تمويل الزيادات الجديدة عبر القروض أو من خلال فرض ضرائب جديدة، مؤكداً أن هذه الزيادة لن تؤثر أيضاً على نسبة عجز الموازنة التي تعمل الحكومة على حصرها في حدود 3.9 بالمائة، وفق الموازنة العامة، حسب قوله.

وتحدّث المسؤول الحكومي عن مرحلة ما بعد الاتفاق على الزيادة في الأجور، وكيفية تمويل هذه الزيادات وكيفية تفسير هذا الخيار للشركاء الدوليين.

وأوضح أنّ الحكومة عملت في المفاوضات الاجتماعية على المحافظة على سلامة المالية العمومية، موضحاً أنّ الاتفاق الذي سيتم توقيعه بين الاتحاد والحكومة سيحافظ بدوره على قيمة العجز، كما سيحافظ في الوقت ذاته على السلم الاجتماعي، وهي معادلة صعبة حسب تعبيره.

وأكد أنّ الجزء الثاني المتعلّق بالزيادة في الأجور، لن يتم تمويله عن طريق المديونية أو زيادة في الضرائب، مرجحاً أن تقوم الحكومة بالاقتصاد في بعض المصاريف لتمويل الزيادة.

أما بخصوص المؤسسات المالية، فقال الراجحي إنّ الحكومة ستفسّر للمؤسسات الدولية كل ما تعلّق بهذا الاتفاق للحفاظ على مساندتها، مشدّداً على أنّ الحكومة لا تتلقى إملاءات من أي طرف خارجي، وأنّ إقرار الزيادات في الأجور هو خيار وطني يندرج ضمن سياسة الحكومة.

وقبل التوصل لاتفاق الجولة الثالثة من المفاوضات، قالت الحكومة على لسان وزير المالية رضا شلغوم، بأنها جاهزة لصرف زيادات في حدود 600 مليون دينار (200 مليون دولار)، تمت تعبئتها من أجل الاستجابة لمطالب النقابات، غير أنها لا تستطيع التعهد بتعبئة موارد تفوق 800 مليون دينار (267 مليون دولار)، وفق ما يطالب به اتحاد الشغل.

ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن وراء الزيادة في الرواتب خطوات حذرة من زيادة التداين وارتفاع جديد في نسب التضخم، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن كل اتفاقات الزيادات السابقة، التي حصل عليها موظفو القطاع الحكومي تم تمويلها عبر القروض الخارجية، ما تسبب في ارتفاع نسبة الدين العام للبلاد إلى أكثر من 72 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال الجودي، إن نسبة الدين العام منبئة بمخاطر كبرى في ظل تعطل للقطاعات المنتجة، التي تساهم في خلق الثروة وأهمها الفوسفات، ما قد يسبب في قفزات جديدة في نسبة التضخم، حسب قوله.

واعتبر أن التراجع الجزئي الذي تم تسجيله في نسبة التضخم، وفق ما كشف عنه معهد الإحصاء الحكومي، أول من أمس، غير كاف مشدداً على أن نسبة التضخم في تونس يجب ألا تتجاوز الـ4 بالمائة على أقصى تقدير، حسب مقاييس اقتصادية علمية.

وتنتظر تونس نهاية الشهر الحالي قراراً من صندوق النقد الدولي، بصرف شريحة خامسة من قرض الصندوق النقد بقيمة 255 مليون دولار ستخصص لتمويل الموازنة.

المساهمون