تحديات أمام تيريزا في فض الشراكة مع أوروبا

تحديات أمام تيريزا في فض الشراكة مع أوروبا

16 مارس 2017
+ الخط -
تدخل بريطانيا خلال الشهور المقبلة منعطفاً تاريخياً، حيث ستنهي عضويتها في الكتلة الأوروبية التي دخلتها في عام 1973 على عهد رئيس الوزراء تيد هيث، لتبدأ عهداً جديداً من المفاوضات والترتيبات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم، كدولة مستقلة بقرارها المالي والاقتصادي والسياسي.
وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يوفرها الفكاك من قيود الاتحاد الأوروبي، فإن هنالك تحديات عديدة تواجه بريطانيا في فترة ما بعد"البريكست".
وحسب وكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني، ستواجه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مجموعة تحديات رئيسية، في أعقاب حصولها على موافقة البرلمان على البدء في إجراءات فض الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي.
وتتوقع مصادر بريطانية أن توقع ماي على "الفقرة 50" من اتفاقية لشبونة التي تعني عملياً خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي في الأيام الأخيرة من شهر مارس/آذار الجاري، وتحديداً في الأيام الواقعة بين 27 و30 منه.
وحسب ما رشح حتى الآن من بروكسل، فإن دول الاتحاد الأوروبي تصر على نقطتين قبل التوقيع البريطاني على الانفصال وهما:
أولاً: عدم التفاوض مع ماي بشأن الترتيبات التجارية والاقتصادية المستقبلية أو حتى في الفترة الانتقالية الواقعة بين إبريل/ نيسان المقبل وحتى نهاية عام 2019، الذي سيكتمل فيه انفصال بريطانيا، إلا بعد توقيع "الفقرة 50".
ثانياً: تسديد فاتورة للمفوضية الأوروبية قيمتها 60 مليار يورو، وهي عبارة عن نفقات لتغطية تعهدات سابقة ومصاريف تقاعد لموظفي الاتحاد الأوروبي.
من جانبها ترى بريطانيا، أنها لن تدفع هذه الفاتورة، بل وترى أن هنالك نقاطاً قانونية تسند رفضها.
لكن وكالة فيتش الأميركية، ترى أن بريطانيا سترضخ في النهاية لتسديد فاتورة للاتحاد الأوروبي، ولكنها ربما تكون أقل كثيراً من 60 مليار يورو.
وتشير وكالة التصنيف الأميركية في هذا الصدد إلى أن بريطانيا بحاجة إلى إنهاء هذه القضية سريعاً، حتى تتفرغ للموضوع المهم وهو شكل الترتيبات التجارية والاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي في أعقاب الانفصال.
وتواجه ماي، رغبة رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجون بإجراء استفتاء على الاستقلال في نهاية 2018 أو مطلع 2019. وهذا الطلب الأسكتلندي سيضعف موقف الحكومة البريطانية في المفاوضات على نوعية الشراكة التجارية بين بريطانيا وأوروبا، بعد التوقيع على الانفصال.
وتأمل ماي في الحصول على مزايا تجارية من دول الاتحاد الأوروبي، تمكن شركاتها من المتاجرة مع أوروبا وبأقل قدر من التعقيدات الخاصة بالجمارك والحفاظ على "جواز المرور التجاري" لشركات حي المال البريطاني.
وتحتاج بريطانيا خلال الفترة الانتقالية التي ربما تمتد لأكثر من عامين إلى ترتيبات تجارية ومالية مع دول الاتحاد الأوروبي، حتى لا يحدث ارتباك بالنسبة للشركات والمصارف التي تتاجر مع أوروبا.

وهذه الترتيبات تحتاج إلى حنكة من قبل رئيسة الوزراء البريطانية، لأن الجانب الأوروبي الذي يواجه ضغوطاً من القوى الشعبوية، سيعمل على التضييق على بريطانيا، ليبعث بذلك رسالة واضحة إلى الجماهير الأوروبية التي تدعم الأحزاب الشعبوية المطالبة بالخروج من منطقة اليورو، في كل من فرنسا وإيطاليا وهولندا، أن مسألة الخروج من عضوية اليورو، لن تكلفها غالياً.

كما تأمل بعض الدول الأوروبية الطامعة في أخذ مركز لندن المالي والتجاري كذلك في إحداث ارتباك يزعزع ثقة المستثمرين في بريطانيا أو يؤدي إلى هزة في سعر صرف الجنيه الإسترليني. وبالتالي، فإن فترة العامين المقبلين ستشكل اختباراً حقيقياً لصلابة بورصة لندن وحي المال البريطاني وقدرتها على جذب الاستثمارات الدولية والانتعاش دون الحاجة إلى أوروبا.
من هذا المنطلق يمكن القول، إن بريطانيا تواجه عدة تحديات على صعيد التفاوض مع أوروبا من جهة وإجراء ترتيبات تجارية ومالية مع دول العالم من جهة أخرى. ولكن يمكن تلخيص هذه التحديات في النقاط التالية:
أولاً: الحفاظ على سعر صرف ثابت للجنيه الإسترليني في نطاق ذبذبة ضيقة خلال الفترة التي تلي توقيع فض الشراكة مع أوروبا. ويلاحظ أن الإسترليني انخفض في تعاملات الثلاثاء، إلى أقل من 1.22 مقابل الدولار. لكن هذا الانخفاض ليس كبيراً إذا أخذنا في الاعتبار قوة الدولار هذه الأيام وهجمة المضاربين قبل توقيع الاتفاق.
وللحفاظ على سعر صرف الإسترليني، يرى مصرفيون أن بنك إنكلترا (المركزي البريطاني)، سيتدخل بكثافة في السوق لحمايته حتى لا تتزعزع ثقة المستثمرين الكبار، أو تشجيع هجمات المضاربة عليه مثل تلك التي حدثت في عقد التسعينيات.
في هذا الصدد يرى مصرف "ميريل لينش" الاستثماري الأميركي، أن الإسترليني سينخفض قليلاً خلال الأيام المقبلة، ولكنه سيعود للارتفاع بقوة في النصف الثاني من العام.
ثانياً: إشراك حي المال البريطاني في ترتيبات ما بعد "البريكست"، حتى تكون الشركات المالية والمصارف الاستثمارية في بريطانيا على ثقة تامة من أن الترتيبات التي ستتخذ لن تضر بمصالحها في المتاجرة مع أوروبا.
ثالثاً: المضي بثبات في الشراكات التجارية مع الكتل الاقتصادية، مثل اتفاقية الشراكة مع أميركا والشراكة التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي.