قبرص واليونان وبنوك مصر

قبرص واليونان وبنوك مصر

01 مايو 2016
مودعون بالبنوك المصرية انتابهم القلق من تلميحات عمرو أديب
+ الخط -

منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، وعلى مدى أكثر من 5 سنوات، لم يتوقف الإعلام المصري عن إرسال رسائل ترهيب للداخل والخارج، مرة للمصريين أنفسهم بهدف تخويفهم على أوضاعهم المعيشية وحياتهم المستقبلية، مثل الحديث عن قرب إفلاس مصر، وأن الحكومة باتت غير قادرة على سداد رواتب الموظفين بالدولة، أو أن احتياطي البلاد الاستراتيجي من القمح والأغذية قارب على النفاد.

ومرة أخرى بهدف ابتزاز دول الخليج بهدف الحصول منها على مزيد من المساعدات النقدية والعينية، عبر إرسال رسائل لها من وقت لآخر من عينة أن ثورة جياع قادمة في مصر بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وأنه في حال وقوع هذه الثورة التي لا تبقي ولا تذر فإن الإخوان سيعودون للحكم، وبالتالي تضيع مليارات الدولارات التي أنفقتموها على إزاحة الجماعة من الحكم، أو أن مصر تشهد أزمة اقتصادية عنيفة تهدد الاستثمارات الخليجية، وأنه في حال انهيار الجنيه المصري مقابل الدولار فإن الخليجيين سيتكبدون خسائر بمليارات الدولارات.

ومن هنا تعاملت مع التحذيرات الأخيرة التي أطلقها الإعلامي عمرو أديب قبل أيام وقال فيها إن مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة، وإن الخزينة العامة للدولة مفلسة و"زي الزفت ومفيهاش فلوس" حسب قوله، رغم أن إيرادات الدولة من الضرائب وحدها فاقت 340 مليار جنيه في العام المالي الأخير.

كما تعاملت بجدية مع تلميحات أديب الخطيرة من أن دولاً عدة صادرت جزءاً من أموال المودعين في البنوك مثل قبرص واليونان وإسبانيا، فالرسالة التي فهمها الجميع من هذه التلميحات هي أن الحكومة قد تقدم على مثل هذه الممارسات الخطيرة لمعالجة الوضع الاقتصادي الخطير والمتردي، وأن مصادرة أموال المودعين هي عرف عالمي متعارف عليه لدى الدول التي مرت بأزمات مالية عنيفة مثل قبرص واليونان وبولندا، وأنه في حال فراغ خزانة الدولة من السيولة النقدية فإن البديل الأسرع هو السطو على أموال البنوك.




خطورة تلميحات عمرو أديب المتعلقة بمصادرة بعض الدول جزءاً من أموال المودعين بالبنوك تأتي في وقت حرج، حيث تشهد البلاد توترات سياسية لأسباب خارجية وداخلية، كما تنجم خطورتها من كونها تتعلق بقضية بالغة الحساسية بالنسبة للمصريين وهي قضية المدخرات وتحويشة العمر، خاصة مع ضخامة عدد المتعاملين مع القطاع المصرفي، إذ إن الأرقام تشير إلى أن هناك أكثر من 10 ملايين مصري يتعاملون مع البنوك تتجاوز ودائعهم 2 تريليون جنيه "أي ما يعادل 225 مليار دولار"، مع إضافة عدد الذين يتعاملون مع "البريد المصري" وهم بالملايين.

كما أن الخطورة أيضاً تكمن في أن الإعلامي المصري أرسل مثل هذه التلميحات الخطيرة مستشهداً بتجارب دول أخرى قاربت على الإفلاس، حيث قال إن حكوماتها وضعت يدها على جزء من أموال المودعين وصل إلى 30% كما هو الحال في التجربة القبرصية، وهذا الاستشهاد غير صحيح لأسباب عدة منها أن هذه الدول وضعت قيوداً على عمليات السحب النقدي، ولم تصادر أموال المودعين كما قيل.

ففي مارس/ آذار من عام 2013 أغلقت المصارف القبرصية أبوابها ووضعت قيوداً على عمليات السحب قرابة أسبوعين تنفيذا لأوامر الحكومة لمنع سحب الودائع من البنوك وحظر التحويلات المالية وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وبعدها عادت الأمور لطبيعتها.

وفى منتصف عام 2015 أغلقت البنوك اليونانية أبوابها 3 أسابيع بموجب قرار حكومي لحماية النظام المصرفي من هروب كثيف لرؤوس الأموال عقب توقف أثينا عن سداد ديونها الخارجية.

وعندما تعرضت البنوك الإسبانية، ومنها بنك "بانكيا"، لأزمة، حيث كان بعضها على وشك الإفلاس، تم فرض قيود مؤقتة على عمليات السحب النقدي، ورغم الاضطرابات داخل القطاع المصرفي الإسباني لم يتم سحب أكثر من 5% من الودائع في ذلك الوقت.

وتكرر الموقف المتعلق بفرض قيود مؤقتة على عمليات السحب النقدي من البنوك لفترات مؤقتة مع دول أخرى مثل أيرلندا وأيسلندا والبرتغال وبولندا وإن تم بأشكال مختلفة.

وأزمة معظم هذه الدول الأجنبية تكمن إما في عدم قدرتها على سداد الديون الخارجية المستحقة عليها كما هو الحال في قبرص واليونان، أو إعلان إفلاس بعض البنوك كما هو الحال في إسبانيا، وهذا غير متوافر في مصر التي تسدد ديونها في المواعيد المحددة ولم تتخلف عن سداد قسط دين واحد حتى ولو في ذروة أزماتها المالية والاقتصادية.

كما أن أموال البنوك المصرية مضمونة بالكامل من البنك المركزي الذي ضمن إيداعات نحو 10 بنوك أغلقت أبوابها في فترات مختلفة ولأسباب مختلفة، ومن بين هذه البنوك: النيل والدقهلية التجاري والاعتماد والتجارة والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية والأهرام والمصري المتحد.

صدور هذه التلميحات عن إعلامي مرموق محسوب على السلطة الحاكمة يتم التعامل معها بمنتهى الجدية من قبل أصحاب المدخرات والمتعاملين مع القطاع المصرفي، ومن هنا تكمن الخطورة ويتنامى قلق ملايين المصريين على تحويشة العمر.