البنك الدولي: الحرب تكلف سورية وجيرانها 35 مليار دولار

05 فبراير 2016
خسائر الرأسمال البشري أكبر من الفاتورة المادية للحرب(فرانس برس)
+ الخط -

قال البنك الدولي في تقرير أمس إن الحرب الدائرة منذ 5 سنوات في سورية كبدت الاقتصادات العربية خسائر تقدر بحوالي 35 مليار دولار.

وذكر البنك في تقريره الصادر بعنوان: "تكلفة الحرب والسلام في الشرق الأوسط"، أن الحرب أدت إلى معاناة إنسانية مُدمِّرة وأضرار طويلة الأمد على الاقتصاد والبنية التحتية في العديد من البلدان العربية، حيث أثرت بشكل مباشر على حياة 87 مليون شخص في أربعة بلدان.

وقال البنك الدولي إن من المرجح أن يسجل النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.6% فقط في 2015 بتراجع عما تم توقعه في أكتوبر/تشرين الأول وهو 2.8% بسبب التأثير السيئ للحرب والإرهاب وهبوط سعر النفط.

وأشار التقرير إلى أن هبوط أسعار النفط إلى نحو 30 دولارا للبرميل مقابل أكثر من 100 دولار قبل عامين سبب مشكلة كبيرة لمصدري النفط في المنطقة تضاف إلى مشكلة الحروب، حيث تراجعت العائدات وتزايد عجز الميزانيات.

ويُحلِّل التقرير الذي صدر في الموجز الاقتصادي الفصلي الذي يصدره لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الآثار الواسعة للحروب في المنطقة على رأس المال البشري والمادي، ويستكشف كيف يُمكِن أن تتحسَّن الأوضاع الاقتصادية إذا حل السلام.

وقال في هذا الصدد: "في عام 2016، أثرت الحرب مباشرة على نحو 87 مليون شخص من أربعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي: العراق وليبيا وسورية واليمن، أي نحو ثلث سكان المنطقة. وفي هذه البلدان، تضرَّرت كل مناحي حياة الناس-المنازل والمستشفيات والمدارس والأعمال والغذاء والمياه- من شدة القتال في هذه الحروب المنفصلة".

وحسب أرقام البنك، فإن هناك نحو 13.5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في سورية، وفي اليمن 21.1 مليوناً، وفي ليبيا 2.4 مليون، وفي العراق 8.2 ملايين. وقال في اليمن، أصبح الآن 80% من سكان البلاد، أو 20 مليوناً من 24 مليون نسمة، في عداد الفقراء، وهي زيادة نسبتها 30% منذ إبريل/نيسان 2015 حينما اشتدت المعارك.

وفي سورية والعراق، قال التقرير "انخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 23% و28% على الترتيب، أو تقريباً ربع ما كان من الممكن أن يتحقَّق لو لم تنشب الصراعات، وأدت الآثار المباشرة للحرب إلى انخفاض نسبته 14% و16% في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي على الترتيب.

وأشار البنك الدولي إلى أنه قبل خمسة أعوام، كان الجميع يأملون أن تسعى الحكومات الجديدة التي جاءت في أعقاب ثورات الربيع العربي، لتحقيق نمو أكثر إنصافاً وشمولاً يساعد على خلق المزيد من فرص العمل والتوظيف للأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين في المنطقة. ولكن حدث العكس تماماً.

وتشير التقديرات إلى أن المنطقة خسرت ما تصل قيمته إلى 35 مليار دولار (بأسعار عام 2007) من الناتج المحلي أو النمو بسبب الأزمة السورية-أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لسورية في عام 2007. وألحقت الحروب في المنطقة أضرارا بالبلدان المجاورة. وتواجه تركيا ولبنان والأردن ومصر التي تعاني بالفعل من مُعوِّقات اقتصادية ضغوطاً هائلة على موارد ميزانياتها. وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن تدفق ما يربو على 630 ألف لاجئ سوري يُكلِّف الأردن أكثر من 2.5 مليار دولار سنوياً.

ويعادل هذا ستة في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ورُبْع الإيرادات السنوية للحكومة. ولم يقتصر ضرر الحرب في سورية على حكومات البلدان المجاورة، إذ إنها أضرت أيضا بمواطنيها، وتُظهر التقديرات أن متوسط نصيب الفرد من الدخل انخفض 1.5% عما كان يمكن تحقيقه (لو لم تنشب الاضطرابات في سورية) للكثيرين في تركيا ومصر والأردن، وبنسبة 1.1% للكثيرين في لبنان.

ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة بين اللاجئين السوريين، لاسيما النساء، والذين يعملون منهم، يحصلون على أجور متدنية. ونحو 92% من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأكثر من نصفهم يعملون على أساس أسبوعي أو يومي. وشرَّدت الحرب في سورية نصف سكانها -أكثر من 12 مليون نسمة- داخلياً وخارجياً.

اقرأ أيضا: تفاصيل أكبر قضية فساد في وزارة الداخلية المصرية

وأصبح ما مجموعه 6.5 ملايين شخص مُشرَّدين داخلياً في العراق واليمن. وفي ليبيا، تشرَّد نحو 435 ألف شخص، بينهم 300 ألف طفل. ومع أن المزارعين ورجال الأعمال في لبنان وتركيا استفادوا من الأيدي العاملة الرخيصة، فإن العمال المحليين تضرروا.

ولم يستفد اقتصاد لبنان من انخفاض أسعار النفط بسبب ضغوط استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى انخفاض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2.9 نقطة مئوية سنوياً في فترة 2012-2014، وأصبح أكثر من 170 ألف لبناني آخرين في عداد الفقراء، وتضاعف معدل البطالة في البلاد متجاوزاً 20%.

وتساءل التقرير حول ما إذا كان من الممكن التغلُّب على الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحروب في المنطقة؟ وقال البنك الدولي إن انتهاء الحروب، إذا تحقَّق، فسوف يُؤدِّي إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي. ومن شأن تحويل الموارد العامة من الإنفاق العسكري، إلى قطاعات التعليم والرعاية الصحية، أن يعزز أيضا المؤشرات الاجتماعية.

بيد أن وتيرة التعافي تختلف باختلاف ما يمتلكه البلد من ثروات طبيعية: فالاقتصاد اللبناني استغرق 20 عاماً ليتعافى من آثار الحرب في الماضي، والكويت استغرقت سبع سنوات فحسب لتتعافى، والعراق استغرق عاماً واحداً.

وتتعافى البلدان الغنية بالنفط بسرعة أكبر لأنه من السهل نسبياً إنعاش إنتاج النفط. ولكن إذا استمر انخفاض أسعار النفط، وضعْف المساعدات الدولية، فإن ليبيا وسورية والعراق واليمن-وكلها بلدان مُصدِّرة للنفط- ستجد صعوبة أكبر في التعافي من الأوضاع الحالية. وستكون استثمارات القطاع الخاص ضرورية.

وقال كبير الخبراء الاقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شانتا ديفاراجان: "وبالنظر إلى أن هذه الصراعات والحروب جاءت في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، وجانب من هذه الانتفاضات تمثل في رغبة المواطنين في العالم العربي في تحقيق مزيد من الديمقراطية في مجتمعاتهم، فإننا سألنا أنفسنا: لنفترض أنه حل السلام، وأن هذه البلدان عادت للسعي من أجل تعزيز الديمقراطية، واستطاعت تحقيقها، فما هو مقدار الزيادة في معدل النمو حينئذ؟ ما هي "مكاسب الديمقراطية؟".

وقال في هذا الصدد إن التحوُّل من نظام غير ديمقراطي إلى الديمقراطية يزيد متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وذلك إلى حد كبير من خلال التشجيع على كل الأمور التي تحتاج إليها البلدان التي مزقتها الحرب للعودة للوقوف على قدميها، ومن بينها الاستثمار والتعليم والإصلاحات الاقتصادية وتوفير سلع النفع العام.

وفي الأمد الطويل قال الخبير ديفاراجان، سيكون نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي أعلى نحو 20 % في بلد تسوده الديمقراطية عن نظيره في بلد يفتقر إليها. ولو افترضنا، نظرياً، أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحوَّلت إلى الديمقراطية في عام 2015، لكان متوسط نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي قد وصل إلى 7.8% في غضون خمسة أعوام بالمقارنة مع 3.3% في غياب هذا التحوُّل.

المساهمون