الديون تطوق رقبة تونس

الديون تطوق رقبة تونس

23 فبراير 2016
مؤسسات المال الدولية تفرض إجراءات بعضها تقشفي (فرانس برس)
+ الخط -
باتت كل سبل الاقتراض الخارجي متاحة بالنسبة للحكومة التونسية، في سبيل سداد عجز الموازنة ومجابهة احتياجات الدولة للفترة القادمة، ما أفضى إلى ارتفاع الديون الخارجية لنحو نصف إجمالي ما تنتجه البلاد محليا في عام.
وبالإضافة إلى المفاوضات التي انطلقت الأسبوع الماضي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ائتماني جديد بقيمة 1.7 مليار دولار، تستعد الحكومة التونسية إلى إصدار سندات في الفترة بين منتصف مارس/آذار ونهاية مايو/أيار المقبل.
وتقول مصادر إن هذا الطرح لن يقل عن 1.12 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يساهم هذا التمويل في تغطية جزء من العجز في الموازنة. وتقول المصادر إن وزارة المالية طلبت من البنك المركزي البدء في الإجراءات الفنية اللازمة لإصدار السندات.
ولا يعد خروج الحكومة للسوق المالية لطلب تمويلات إضافية أمرا جديدا، حيث سبق لوزير المالية سليم شاكر أن أكد احتياجات البلاد إلى الاقتراض الخارجي في أكثر من مناسبة، وهو ما تطرق إليه أيضا محافظ المصرف المركزي، الشاذلي العياري، منذ مايو/أيار 2015.
وتواجه تونس صعوبات مع تراجع إيراداتها من السياحة بعد هجمات نفذها مسلحون العام الماضي، واحتجاجات بسبب البطالة، وتباطؤ وتيرة التقدم في الإصلاحات الاقتصادية التي طلبها المقرضون الدوليون.
وكانت آخر مرة توجهت فيها تونس إلى السوق العالمية قبل عام تقريبا، حين باعت سندات بقيمة مليار دولار.
كما كانت الحكومة التونسية تنوي رهن ملعب رادس الأولمبي مقابل مليار دولار، غير أن هذا القرار واجه موجة رفض كبيرة، سواء من قبل البرلمان أو منظمات المجتمع المدني، وهو ما جعل دوائر القرار تغير الوجهة نحو السوق المالية المباشرة والقبول بشروط المقرضين مهما كانت تكلفتها، وفق ما يؤكده المختصون في الشأن الاقتصادي.
ويعتبر الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، أن الضغط الكبير الذي واجهته الحكومة بسبب قرار إصدار السندات الإسلامية جعلها تتخلى عن هذه الفكرة، باعتبار أن هذا الصنف من السندات يصنف ضمن سندات التملك، مشيرا إلى أن الحكومة مجبرة على طرق أبواب جديدة للحصول على التمويلات الكافية لسداد عجز الموازنة والميزان التجاري.

ولفت الحطاب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن تونس تشكو من عجز مضاعف، أي عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري الذي بلغ 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي، زيادة على تراجع كبير في مدخرات النقد الأجنبي، مشيرا إلى القرض الجديد الذي تحاول الحكومة الحصول عليه لسداد هذا العجز.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن حجم القروض التي تنوي الحكومة الحصول عليها يمثل قرابة 25% من ميزانية الدولة، معتبرا أن حجم هذه القروض ضخم جدا مقارنة بإمكانيات الدولة التي قد تصل إلى مرحلة العجز عن السداد في السنوات القادمة، وفق قوله.
وتوقع الحطاب، أن تجد الحكومة التونسية استجابة من السوق الدولية لتمكينها من القرض المطلوب بضمان الدولة، واصفا المقرضين بـ"المرابين"، باعتبار أن نسبة الفائدة للقرض الجديد لن تقل عن 5%، حسب تقديره، وأن مدة السداد لن تتجاوز ست سنوات.
وأوضح الخبير المختص في الشأن الاقتصادي، أن تونس على وشك الدخول في مرحلة ما أسماه بحائط التداين، لافتا أن الدولة ستضطر مستقبلا إلى التداين من أجل سداد ديون سابقة، وهو ما يعني الدخول في حلقة لا نهاية لها قد تتواصل لسنوات طويلة في حال خسرت الحكومة كسب معركة استرجاع الاستثمار الخارجي ودفع نسب النمو وخلق الثروة.
ويتهم مراد الحطاب حكومة الحبيب الصيد بالتعتيم على حقيقة الوضع الاقتصادي الذي تمر به تونس والرضوخ للابتزاز الاجتماعي، عبر الإعلان عن قرارات التشغيل من دون الإعداد المسبق لهذه القرارات، معتبرا أن سياسة التوظيف الحكومي المبالغ فيه أفقدت الدولة السيطرة على توازناتها المالية، وهو ما يضطرها إلى التداين الخارجي.

اقرأ أيضا: تونس تعتزم اقتراض 1.12 مليار دولار

وزيادة على تمويلات السوق العالمية والنقد الدولي، تتطلع تونس إلى الحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي في شكل قروض جديدة لدعم الاقتصاد المحلي بقيمة نصف مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة، في ظل انتقادات كبيرة من أحزاب البرلمان سياسة التداين الخارجي المفرطة.
وحذّرت أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، ولا سيما منها اليسار العمالي (الجبهة الشعبية)، من خطورة التنازلات التي قد تجبر الحكومة على تقديمها مقابل الحصول على التمويلات الخارجية، على غرار مراجعة سياسة الدعم وإجراء إصلاحات اجتماعية مؤلمة.
وطالبت الأحزاب المعارضة بالحفاظ على سياسة الدعم الاجتماعي للطبقات الضعيفة ومواصلة دعم المواد الأساسية، على غرار العجائن والمحروقات والنقل.

وخصصت تونس في ميزانية الدولة العام الحالي 1.6 مليار دينار لصندوق الدعم، مقابل 1.53 مليار دينار في 2015، في المقابل تشير بيانات غير رسمية إلى أن نصيب كل تونسي من الديون الخارجية ارتفع من 2400 دينار سنة 2010 (نحو 1200 دولار)، إلى قرابة 4000 دينار حاليا.
وفي عام 2012، نشر صندوق النقد الدولي تقريرا لتقييم الاقتصاد التونسي، اقترح خلاله على الحكومة الحد من دعم المواد الغذائية والطاقة، ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن هذه التدابير هي "إجراء مرغوب فيه من زاوية العدالة الاجتماعية، لأن أغنى فئات السكان هم الذين يستفيدون من الإعانات الغذائية والطاقة".
ولفت التقرير إلى أن الأسر التي تتمتع بأعلى مستويات الدخل تستفيد أربع مرات أكثر، من دعم المواد الغذائية، من الأسر محدودة الدخل. وما يقارب 40 مرة أكثر على مستوى الدعم في مجال الطاقة.
وبعد ذلك بسنة، بادر المعهد الوطني للإحصاء ومركز البحوث والدراسات الاجتماعية والبنك الأفريقي للتنمية، إلى نشر تقرير عن توزيع الدعم في الصندوق العام للتعويض، وقد كانت الإحصائيّات هذه المرة أكثر وضوحا، إذ تضمنت المعدلات السنوية للدعم للفرد الواحد، وحسب الفئة الاجتماعيّة للسكان بالدينار.
وبدأ وفد من صندوق النقد الدولي محادثات مع تونس الخميس الماضي، بخصوص برنامج ائتماني جديد يرتبط بإجراءات لتعزيز اقتصادها وماليتها العامة. ومن المرجح ألا تقل قيمة القرض الجديد عن 1.7 مليار دولار على مدى أربع سنوات، وهو أكبر قرض ائتماني تحصل عليه تونس منذ بداية تعاملها مع صندوق النقد الدولي.
وقالت الحكومة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنها تتوقع أن يتقلص العجز في موازنة البلاد في 2016 إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.4% في توقعات عام 2015.
من جهتها، أعلنت وزارة المالية أن تونس بحاجة إلى تمويل بنحو 6 مليارات دينار في المجمل، نصف هذا التمويل على الأقل يأتي من الخارج، ما يثير مخاوف مراقبين بشأن الاعتماد الكبير على الخارج في سد عجز الموازنة.
وانخفض معدل النمو الاقتصادي في تونس إلى 0.8% العام الماضي، وهو ما يرجع في الأساس إلى تأثير الهجمات المسلحة على مرافق سياحية مهمة. وتتوقع الحكومة هذا العام تسجيل نسب نمو في حدود 2.5%، حسب تقديرات قانون المالية للعام الجاري. (الدولار الأميركي يساوي نحو دينارين تونسيين).


اقرأ أيضا: رجال الأعمال يدعون إلى حالة طوارئ اقتصادية في تونس

المساهمون