النزيف المالي يعيد روسيا إلى أكبر أزمة اقتصادية

النزيف المالي يعيد روسيا إلى أكبر أزمة اقتصادية

17 يناير 2016
الروبل الروسي يواصل تراجعه أمام العملات الأجنبية (فرانس برس)
+ الخط -



مع استمرار أسعار النفط العالمية في الهبوط إلى أدنى مستويات منذ أكثر من 12 عاماً، بدأت الآمال في سرعة تعافي الاقتصاد الروسي تتلاشى، لتواجه روسيا أكبر أزمة اقتصادية منذ عام 1998.

ومع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، أصبح السعر 50 دولاراً الذي تم وضع الميزانية الروسية لعام 2016 انطلاقاً منه، أقرب إلى الخيال، وذلك وسط مخاوف من انخفاض النفط إلى 20 دولاراً خلال الفترة المقبلة.

وعلى عكس الأزمة المالية العالمية التي بدأت تداعياتها تتجلى مع حلول عام 2008، عندما عادت أسعار النفط بسرعة إلى الارتفاع، تتوقع روسيا هذه المرة أن يمتد تدني أسعار المواد الخام لسنوات أو عقود.

ودفع هذا الوضع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية إلى إعادة النظر في توقعاتها لعام 2016، وقد يتم تعديل الميزانية الروسية بناء عليها، وفق ما نقلته صحيفة "فيدوموستي" المتخصصة في الشؤون الاقتصادية.

وتتوقع الوزارة انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 0.8% بدلاً من نمو نسبته 0.7% حسب التوقعات السابقة، كما سيبلغ معدل التضخم 8.5%، وخروج رأس المال بواقع 50 مليار دولار، وستتراجع دخول المواطنين بنسبة 4%.

وعلى مدى الأيام الأخيرة، أكد كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس حكومته دميتري مدفيديف، على ضرورة الاستعداد لكل الاحتمالات وأسوأ السيناريوهات وتقليص الميزانية وإرجاء بعض المشاريع.

وحذر وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، من تكرار أزمة عام 1998 وما ترتب عليها من معدلات التضخم الفائقة، ما لم يتم تعديل الميزانية وفقا للوقائع الجديدة.

وتعتبر أزمة 1998 التي جاءت نتيجة لهبوط أسعار المواد الخام (النفط والغاز والمعادن) والأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وارتفاع الدين العام، من أخطر الأزمات الاقتصادية في تاريخ روسيا.

ففي 17 أغسطس/آب 1998، أعلنت الحكومة الروسية والمصرف المركزي تعثرا تقنيا عن سداد دفعات كافة السندات السيادية، بما فيها الديون الداخلية، وتعويم سعر صرف العملة الروسية الروبل.

اقرأ أيضاً: روسيا تبحث سيناريوهات لمواجهة تهاوي أسعار النفط

وفي نفس ذلك اليوم، توقفت المصارف الروسية عن إجراء عمليات سحب الأموال من قبل المودعين، ليبقى مشهد الطوابير أمام فروعها حاضرا بقوة في ذاكرة الروس حتى الآن، كما خسر عملاء المصارف المتعثرة ودائعهم كاملة.

ومن تداعيات هذه الأزمة، انهيار قيمة الروبل من 6 روبلات للدولار الواحد إلى 21 روبلاً وما ترتب على ذلك من تآكل قيمة مدخرات المواطنين وإفقارهم، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 63% والمواد الأخرى بنسبة 85% خلال أربعة أشهر فقط، وارتفاع الدين العام (الخارجي والداخلي) إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح روسيا من أكبر الدول المدينة في العالم.

إلا أن آنا كوكوريفا، الخبيرة بشركة "ألباري" للتداول، ترى أن الوضع الحالي في الاقتصاد الروسي مختلف تماماً عن عام 1998، مستبعدة احتمال تكرار الأزمة على نفس النطاق.

وتقول كوكوريفا لـ"العربي الجديد"، إن "طبيعة الأزمة الحالية مختلفة تماما عن عام 1998، إذ كانت روسيا آنذاك تعاني من تداعيات تفكك الاتحاد السوفييتي والانتقال من نظام حكم إلى آخر، وكانت ديون روسيا ضخمة جدا".

وتشير الخبيرة المالية إلى أن سعر صرف الروبل لم يعد يتأثر بهبوط أسعار النفط، كما كان عليه عند بدء تراجعها في يونيو/حزيران 2014.

وتضيف: "عند أسعار النفط بواقع 30 دولارا، من المفترض أن يكون سعر صرف العملة الروسية 120 روبلا للدولار، ولكنه أقوى من ذلك (77 روبلا)".

وبحسب غيرمان غريف، رئيس مصرف "سبيربنك" أكبر المصارف الروسية، خلال منتدى "غيدار" الاقتصادي السنوي الذي عقد في موسكو يوم الجمعة الماضي، فإن عصر النفط اقترب من نهايته، وحان الوقت للاقتصاد العالمي في الحد من اعتماده على التقلبات في أسواق الخام، متوقعا استمرار عصر النفط لفترة من الزمن قدرها بنحو 10 سنوات.

وكانت روسيا قد تحولت إلى لاعب مؤثر في مجال الطاقة، وعادت بقوة إلى الساحة السياسية الدولية، وحققت معدلات نمو عالية، بعد ارتفاع أسعار النفط عالميا وتجاوز تداعيات أزمة 1998، حيث تقلصت مديونيتها وارتفعت احتياطاتها الدولية بشكل كبير.

وعلى الرغم من تراجع هذه الاحتياطيات بأكثر من 100 مليار دولار منذ بدء هبوط أسعار النفط قبل نحو عام ونصف، فإنها لا تزال عند مستوى 368 مليار دولار، ولكن مع طي صفحة أسعار النفط المرتفعة، يبدون أن فترة الرخاء الاقتصادي قد انتهت، وفق خبراء الاقتصاد.



اقرأ أيضاً:
توجّه روسي للاقتراض لسدّ عجز الموازنة
الاحتياطي الروسي يفقد 9.4 مليارات دولار في شهر

المساهمون