الخليج الغني يقترض

الخليج الغني يقترض

07 يوليو 2015
الكويت تتجه إلى الاقتراض لسد عجز الموازنة (أرشيف/Getty)
+ الخط -
الكويت تقترض.. هل هذا معقول؟.. كان هذا التساؤل الأكثر إلحاحاً قبل نحو ثمانية أشهر في الأوساط الاقتصادية في الكويت، التي جاءت في المرتبة العاشرة عالمياً ضمن أغنى الدول في العالم، العام الماضي. لكن يبدو أن هذا التساؤل لم يعد مقتصراً على الكويت، وإنما تسلل إلى دول الخليج العربي الغنية بالنفط، والتي لم تعد تخفي معاناتها من انحسار مواردها المالية، بفعل التهاوي في أسعار النفط عالمياً، والذي يتوقع استمراره سنوات عدة، ربما تتجاوز عقداً من الزمن.

يوماً تلو آخر، تخرج دولة جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي لتعلن تسجيل عجز في موازنتها، هو الأول من نوعه في سنوات طويلة، واتجاهها إلى الاقتراض لسد هذا العجز، الأمر الذي قد يؤشر إلى بدء مرحلة اقتصادية واجتماعية جديدة، يكون التقشف هو عنوانها الرئيسي.

هذا التقشف، ربما أفصحت عنه كلمات وزير المالية البحريني، الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، الذي نقلت عنه وسائل إعلام محلية وعالمية عقب مناقشة موازنة بلاده للعامين 2015 و2016 "يتعين علينا أن نرضى بما لدينا، وأن ننفق بحسب قدراتنا.. هذه أصعب موازنة تعاملنا معها في السنوات الـ12 الأخيرة".

وأشار إلى أن البحرين تخطط لاقتراض أموال من الداخل والخارج لتغطية العجز في موازنتها.

ويتوقع ارتفاع العجز من 2.4 مليار دولار في العام الماضي 2014، إلى نحو 4 مليارات دولار في 2015، ومثلها للعام المقبل. وقبل البحرين بأقل من أسبوع، أعلنت الكويت تسجيل عجز في موازنة السنة المالية 2014/2015 بواقع 7.63 مليارات دولار، للمرة الأولى منذ 15 عاماً، مشيرة إلى أنها تدرس الاقتراض عبر إصدار سندات، لتمويل عجز الموازنة.

وتوقعت أخيراً شركة أبحاث كبيرة في السعودية، أن تلجأ المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم وتستحوذ على ثلث إنتاج أوبك، إلى سوق الدين للمرة الأولى في أكثر من عشر سنوات. مشيرة إلى أن العجز في الموازنة سيصل إلى 106 مليارات دولار، مقارنة بتوقعات حكومية بـ36 مليار دولار، حيث ستشهد عائدات النفط تراجعاً بنسبة 35%، لتبلغ 171.8 مليار دولار في 2015.

اقرأ أيضاً: الكويت تبحث الاقتراض لتمويل عجز الموازنة

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للإمارات، التي تتراوح ديون إمارة دبي بحسب المؤسسات المالية الدولية بين 120 و140 مليار دولار، كما تزداد الضغوط المالية على سلطنة عمان التي تواجه تحديات في مستويات إنتاج النفط والغاز، في حين تضع المشروعات التوسعية لقطر هذا البلد أمام اختبار حقيقي.

فهبوط أسعار النفط، إلى ما دون 62 دولاراً للبرميل، هذا الأسبوع، مقابل نحو 115 دولاراً، في يونيو/حزيران 2014، يشير إلى دخول الخليج حقبة جديدة، ربما تدخل بعض البلدان ذات الرفاهية الزائدة في سنوات عجاف تضطر معها إلى إعادة النظر في بنيانها الاقتصادي والاجتماعي.

ويبدو أن دول الخليج الغنية، والتي طالما كانت تصرح بأنها لن تتأثر كثيراً بهبوط أسعار النفط عالمياً اعتماداً على مخزون ضخم من احتياطي النقد الأجنبي والذهب، بدأت مبكراً في المعاناة.

وتلعب الدول النفطية من خارج منظمة "أوبك"، التي تستحوذ دول الخليج على معظم إنتاجها، لاسيما التي تستخرج ما يعرف بالنفط الصخري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، دوراً بالغ الأهمية في تسطير المرحلة الخليجية المقبلة.

ومما يزيد من تسريع وتيرة الضغوط المالية، هو زيادة حجم الإنفاق العسكري الحالي والمتوقع للسنوات المقبلة بسبب توسع التهديد من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والصراعات الناشئة في المنطقة.

ومثلما ظل النفط ينبوع الرخاء سنوات طويلة، فإن استمرار الاعتماد عليه، كمصدر وحيد للدخل، سيكون في غاية الخطورة وسيؤرخ لفشل في إنقاذ أجيال مقبلة من عوز لم تعهده من قبل، ليس فقط دول الخليج، وإنما دول كثيرة اعتمدت على وفورات مالية خليجية في تشغيل أبنائها. 

لذا لم تعد مسأله تنويع مصادر الدخل خياراً أو ترفاً لدول الخليج، بل أصبحت ضرورة بدون تحقيق خطوات على طريقها، فإن الخطر قادم لا محالة.

اقرأ أيضاً: الخليج يلجأ للاقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة

المساهمون