الأمن الغذائي ووفورات النفط

الأمن الغذائي ووفورات النفط

20 ابريل 2015
60 مليار دولار حجم الفجوة الغذائية العربية (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
في قراءة لتقرير آفاق الاقتصاد العربي، الصادر هذا الأسبوع عن صندوق النقد العربي لعام 2015، أدى تراجع أسعار النفط العالمية إلى خفض تكاليف الإنتاج عالمياً، وخاصة الإنتاج الزراعي، وكذلك توفير حيز مالي يُمكن الدول (المستوردة للنفط طبعاً) جزئياً من زيادة الإنفاق العام الداعم للنمو الاقتصادي، وسوف يرتفع معدل النمو العالمي إلى 3.5%، وكذلك التخفيف من حدة الاختلالات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول.

وفي المقابل، سيؤثر انخفاض أسعار النفط لأكثر من 60%، في يناير/كانون الثاني الماضي مقارنة بيونيو/حزيران 2014، على أداء الدول العربية المصدرة للنفط، الذي يسهم بنحو 78% من الناتج المحلي للدول العربية، وسوف تحقق الدول العربية معدل نمو أقل من المعدل العالمي في حدود 3%.

وانعكاساً لما سبق، من المتوقع أن يتحول الفائض المسجل في ميزان المعاملات الجارية للدول العربية خلال عام 2014 إلى عجز يمثل حوالى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال عام 2015، وأن تسجل الدول العربية المصدرة للنفط معدل نمو أقل يتراوح حول 2.9% مقارنة بنحو 3.7% لعام 2014.

وفي تقديري، فإن خطورة هذا المؤشر أنه في الوقت الذي كان فيه صافي الفجوة الغذائية العربية هو 60 مليار دولار عام 2013، كانت صادرات النفط العربي حول 737 مليار دولار، ويعني هذا أن فاتورة الغذاء كانت تشكل 8% من قيمة النفط، ومع انخفاض أسعار النفط بنسبة 60% فإن قيمة هذه الفاتورة ستلتهم 20% من قيمة صادرات النفط، هذا بفرض ثبات قيمة الواردات الغذائية وعدم انخفاض أسعار النفط أكثر من ذلك.

والحقيقة أن تكاليف واردات الغذاء في الدول العربية في تزايد مستمر، مع انخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار، وسياسات الاحتكار الجشع لمستلزمات الإنتاج وواردات الغذاء على السواء، فهي تستورد معظم مستلزمات الإنتاج الزراعي و55% من احتياجاتها من الحبوب والقمح، و 70% من السكر، و 60% من الزيوت النباتية، و 45% من البقوليات.

وعلى الرغم من وفرة إنتاج الغذاء العالمي مدعومةً بانخفاض سعر النفط العربي، وهو مكون أساسي في الإنتاج الزراعي والغذائي، فإن الدول العربية تعاني من نقص الإنتاج الغذائي إلى حد بعيد، مقارنةً بباقي دول العالم، وذلك لعدة أسباب أهمها إهمال الاستثمار الزراعي وعدم استغلال العرب الفائض المالي النفطي السابق في التنمية الزراعية العربية، حيث تعاني الدول العربية تخلفاً في إنتاج التقاوي ليس له مثيل على مستوى العالم، ويصل العجز الكلي من احتياجات التقاوي المحسنة إلى 80% سنوياً من تقاوي الحبوب الاستراتيجية، القمح والأرز والذرة والدخن والشعير.

 كما أن معدل استخدام الأسمدة الكيماوية على المستوي العربي، وهي ثاني العوامل المؤثرة في زيادة إنتاج المحاصيل، نحو 33 كيلوجراماً للهكتار مقارنة بـ 94 كيلوجراماً للهكتار للمتوسط العالمي، وهناك تخلف كذلك في مجال الميكنة الزراعية يذكرنا بالزراعة اليدوية والعائلية العشوائية، فمتوسط استخدام الميكنة الزراعية في الدول العربية 9 جرارات لكل ألف هكتار، بينما يرتفع هذا المتوسط عالمياً، ليصل إلى نحو 20 جراراً لكل ألف هكتار، حسب تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية عن أوضاع الأمن الغذائي العربي، وما يترتب على هذا الوضع من زيادة التكاليف وانخفاض للإنتاجية.

وما لا يبشر بالخير أن حجم الإنفاق على البحوث الزراعية لا يتعدى 1% من قيمة الإنتاج الزراعي، وهو ما يقلل فرص التنمية الزراعية وزيادة الإنتاج الزراعي في المنطقة، ويكفي أن نعرف أن معدل الإنتاجية العربية للحبوب من وحدة المساحة الأرضية يقل عن مثيله العالمي بمقدار 56% لوحدة المساحة نفسها.

وإذا كان الإنتاج الغذائي العالمي في تزايد مستمر بسبب وفرة الطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي، مدعوماً بانخفاض سعر النفط العربي، فإن المزارع العربي يعاني من ارتفاع هذه السلع مما يرفع تكاليف الإنتاج ويخفض من إنتاجية المحاصيل، مهدداً بذلك الأمن الغذائي العربي إلى حدٍّ يهدد الأمن والسلم الأهلي في المنطقة العربية في المستقبل غير البعيد.

اقرأ أيضاً:
لماذا يُعاني المواطن العربي من الغلاء؟

المساهمون