ورقة الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج

ورقة الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج

20 يونيو 2023
إيران لم تسحب مبالغ كبيرة من احتياطاتها (Getty)
+ الخط -

في 10 يونيو/ حزيران، أفرجت الحكومة العراقية عن 2.7 مليار دولار من الأموال الإيرانية المُجمَّدة بسبب العقوبات الأميركية، وذلك عقب يومين من المباحثات بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في الرياض، وفقاً لتصريحات رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة يحيى آل إسحاق، الذي أفاد بأنّ جزءاً من تلك الأموال المُفرج عنها سيُستخدم لتغطية نفقات الحُجَّاج الإيرانيين، بينما سيُخصَّص الجزء الباقي لشراء السلع الأساسية.

تطور مهم ولافت، خصوصاً أنه لطالما استخدمت الولايات المتَّحدة العقوبات كورقة لعرقلة وصول إيران إلى أموالها المحتجزة في الخارج واحتياطاتها من النقد الأجنبي وشلّ اقتصادها.

فقد استغلَّت إدارة باراك أوباما العقوبات للضغط على إيران لتقليص برنامجها النووي ودفعها نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وحذَّرت واشنطن الشركات والمؤسسات المالية الأجنبية من تقديم الدعم المادي للنظام المالي الإيراني، ولو بأبسط الأشكال، كمعالجة المعاملات المتعلِّقة بإيران الذي سيُعرِّضها أيضاً للعقوبات الأميركية.

وعلى إثر ذلك، استجابت البنوك الأجنبية التي تحتفظ باحتياطات النقد الأجنبي الإيرانية لما يُسمى العقوبات الثانوية الهادفة إلى منع وصول إيران إلى احتياطاتها، الأمر الذي دفع الريال الإيراني إلى الهاوية، ووضع الاقتصاد الإيراني في مرمى أزمات ميزان المدفوعات، وجعل القيام بالأعمال التجارية في الخارج بعيداً عن متناول الحكومة والشركات.

في عام 2014، تمكَّنت إيران من استعادة جزء صغير من احتياطاتها المحتجزة، وتحديداً 4.2 مليارات دولار من عائداتها النفطية المجمَّدة في الخارج، بعد أن توصَّلت إلى اتِّفاق نووي مؤقَّت مع القوى السِّت الكبرى، بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتّحدة.

وفي عام 2015، توصَّلت الدول السِّت نفسها إلى اتِّفاق نهائي، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي وافقت بموجبه إيران على كبح برنامجها النووي بشكل كبير، مقابل تخفيف العقوبات الغربية، وبفضل ذلك رُفع التجميد عن أكثر من 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمَّدة في الخارج.

لكن في عام 2018، عكَّر الرئيس الأسبق دونالد ترامب صفو أجواء التفاوض بين طهران والغرب، وبدَّد كل تلك الجهود من خلال الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض عقوبات أميركية واسعة النطاق، الأمر الذي سبَّب تجميد أصول إيران في الخارج مرّة أخرى.

بحسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في إبريل/ نيسان 2021 تحت عنوان Regional Economic Outlook Trade-Offs Today for Transformation Tomorrow، فقد انخفض إجمالي احتياطات إيران من النقد الأجنبي إلى 115.4 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2020، التي انتهت في 30 إبريل/ نيسان.

وأشار التقرير ذاته إلى أنّ السلطات الإيرانية أصبحت قادرة على الوصول إلى احتياطات بقيمة 12.2 مليار دولار فقط منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية وبشكل صارم أكثر من ذي قبل.

في الواقع، هناك احتياطات إيرانية كبيرة في كوريا الجنوبية واليابان والعراق، ويحتفظ البنك المركزي الإيراني بحسابات في عدّة دول أخرى كالصين وألمانيا والهند وتركيا والإمارات.

ومنذ عام 2018 الذي أُعيدَ فيه فرض العقوبات، دخلت إيران في مفاوضات ثنائية مع تلك الدول من أجل الإفراج عن أموالها المجمَّدة، علماً أنّ تلك الدول لن تتحرَّك دون تلقِّي الضوء الأخضر من الحكومة الأميركية.

لذلك، تستمرّ إيران في الضغط على هذه الدول، ولا سيَّما كوريا الجنوبية واليابان والعراق، للحصول على الموافقة الأميركية للإفراج عن الأموال الإيرانية.

يكمن السبب الرئيسي وراء حرمان إيران الوصول إلى احتياطاتها في الحيلولة دون استخدامها في تطوير البرنامج النووي الذي يشكِّل تهديداً لإسرائيل وتمويل الحروب بالوكالة.

لكن الوقائع تشير إلى أنّ إيران، مثل معظم البلدان، لم تسحب مبالغ كبيرة من احتياطاتها رغبة منها في تركها تنمو وتتراكم، فقد بلغت احتياطات إيران من النقد الأجنبي حوالى 21.4 مليار دولار في عام 2002، وارتفعت إلى 128.4 مليار دولار بحلول عام 2015.

وبالرغم من تمكُّن إيران من الوصول إلى أكثر من 100 مليار دولار من أصولها المجمَّدة في الخارج بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، إلاّ أنّ احتياطات إيران من النقد الأجنبي انخفضت إلى 120.7 مليار دولار في عام 2016 و112.6 مليار دولار في عام 2017 فقط، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

من ناحية أخرى، حتى لو لم يكن معدَّل السحب من احتياط النقد الأجنبي كبيراً، فإنّ الآثار الاقتصادية لتجميده تبقى وخيمة، لكونها تمسّ مباشرةً استقرار قيمة الريال الإيراني، المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات والأزمات، القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية وتلبية الحاجة لتمويل ميزان المدفوعات وتمويل عمليات الاستيراد، وقرار الاستدانة من الخارج، حيث يعتبر ذلك الاحتياط بمثابة بارومتر للاستقرار المالي يؤثِّر بثقة الدائنين والمستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية في الاقتصاد الوطني.

وتلك الأثار كانت أشدّ وضوحاً في فترة الجائحة التي كانت خلالها إيران في أمسّ الحاجة للوصول إلى احتياطاتها من أجل شراء الأدوية والمعدات الطبية المستوردة.

لطالما اشتكت إيران كثيراً من الممارسات الخبيثة للولايات المتَّحدة في عرقلة الإفراج عن حوالى 7 مليارات دولار من الاحتياطات الإيرانية المحتجزة في بنكين في كوريا الجنوبية، هما البنك الصناعي الكوري Industrial Bank of Korea وبنك ووري Woori Bank.

وأفادت عدّة تقارير إيرانية وإسرائيلية بأنّ طهران ستحصل قريباً على 24 مليار دولار من أرصدتها المجمَّدة في الخارج، بينها السبعة مليارات دولار من أموال النفط الإيرانية المجمَّدة لدى كوريا الجنوبية، ويأتي ذلك في إطار صفقة لم تخرج للعلن بين إيران والولايات المتَّحدة بشأن إطلاق سراح السجناء الأميركيين المحتجزين في إيران والموافقة على عدم تخصيب اليورانيوم بما يزيد على 60% مقابل سماح الولايات المتَّحدة لإيران بالوصول إلى جزء من أموالها المجمَّدة في البنوك الأجنبية.

خلاصة القول، لقد أثبت التاريخ عدم التزام أميركا الصفقات الرسمية مع إيران، وحدِّث ولا حرج عن الصفقات غير المعلنة وغير المكتوبة التي يمكن إلغاؤها في أيّ وقت.

ومن ناحية أخرى، ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا التساهل الأميركي مع التقارب الإيراني السعودي الذي أربك العديد من الحسابات في البيت الأبيض، وبخاصة مع زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان التاريخية لطهران يوم 17 يونيو/ حزيران الجاري.

المساهمون