عندما يشعر المواطن أن أموال الدولة ملك له

16 اغسطس 2023
الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي النرويجي نيكولاي تانجين (Getty)
+ الخط -

قبل شهور، التقى الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي النرويجي، نيكولاي تانجين، بعدد من مواطني النرويج في قاعة رئيسية داخل مقر الصندوق الواقع في العاصمة أوسلو.

كان اللقاء وديا وبسيطا للغاية وجاء عقب إطلاق تانجين خطة إصلاح شامل للصندوق كان من أبرز ملامحها التواصل مع الرأي العام للتأكد من أن المواطنين النرويجيين، المالكين الفعليين لصندوق الثورة، يفهمون طبيعة ما يحدث داخل المؤسسة المالية الأهم في العالم باعتبار أن تلك أموالهم وثرواتهم وليست أموال الدولة.

خلال اللقاء لم يركز الرجل فقط على شرح سياسة الصندوق المملوك للشعب النرويجي حيث يتولى إدارة الفوائض المالية لصادرات النرويج من النفط والغاز، بل تطرق أيضا إلى سيرته الشخصية وحياته العملية ومسيرته التعليمية وخبرات الفريق المعاون له، في محاولة لإقناع المواطن بأن أموال الصندوق الحكومي الضخم في يد مدراء محترفين لديهم خبرات دولية طويلة في إدارة الاستثمارات واقتناص الفرص الاستثمارية والصفقات.

لم يكتف تانجين بذلك بل أرسل موظفي الصندوق إلى المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة لشرح طبيعة المؤسسة المالية

لم يكتف تانجين بذلك بل أرسل موظفي الصندوق إلى المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة لشرح طبيعة المؤسسة المالية العملاقة وكيفية إدارة فوائضها المالية، والدول التي يوجد بها، وضمن حملة تواصله مع المواطنين بث مقابلات صوتية مع رؤساء تنفيذيين عالميين لديهم علاقة مباشرة بالصندوق، ودفع موظفي الصندوق إلى دائرة الضوء والخروج للشارع، لشرح ما يفعلونه للمواطن.

كما أجرى استطلاعات بين النرويجيين حول أداء الصندوق للوقوف على الصورة الذهنية وكيفية تحسينها والحصول على نتائج قد تساعد الإدارة في تحسين عوائده.

سبق تلك الخطوة عقد الصندوق أكثر من 3 آلاف اجتماع للشركات، والتصويت على نحو 120 ألف بند في الجمعيات العمومية.

وخلال حملة التعريف بصندوق الثروة خرج تانجين على النرويجيين قائلا: "نشعر بأنه ليس لدينا أي أسرار، لقد وفرنا المزيد من المعلومات عن الصندوق، في الماضي كان هناك أربعة أشخاص يمكنهم التحدث نيابة عن الصندوق، الآن يتحدث باسمه 575".

وصندوق الثروة النرويجي لمن لا يعرفه هو أكبر وأهم صندوق سيادي في العالم، يبلغ حجمه 1.4 تريليون دولار ويستثمر إيرادات الدولة النرويجية من إنتاج النفط والغاز.

ويملك 1.5% من الأسهم المدرجة في جميع أنحاء العالم، ولذا فهو أكبر مستثمر منفرد في أسواق الأوراق المالية الدولية. كما يستثمر في السندات والعقارات ومشروعات الطاقة المتجددة.

صندوق الثروة النرويجي هو أكبر وأهم صندوق سيادي في العالم، يبلغ حجمه 1.4 تريليون دولار

وللصندوق استثمارات في أكثر من 70 دولة، وأمس الثلاثاء أعلن الصندوق عن تحقيقه أرباحا تجاوزت 143 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يزيد عن احتياطيات الدول العربية غير النفطية مجتمعة. بل إن العائد على استثمارات الأسهم بلغ 13.7% خلال الفترة.

في مقابل تلك الشفافية التي حرص عليها رئيس أكبر صندوق سيادي لتعريف المواطن النرويجي بكل ما يحدث داخل مؤسسته التي تدير فوائض الدولة وليس المال الشخصي للأفراد، فإن معظم الصناديق السيادية العربية تظل بمثابة صناديق سوداء لا يعرف أحد عنها شيئا.

هل ربحت أم خسرت، كيف تستثمر أموالها، وما هي خريطة وجودها، هل تتم إدارة الأموال بشكل احترافي ومعايير استثمارية بحتة، أم طبقا لتعليمات فوقية ومعايير سياسية، أين تؤول إيراداتها، وما هي تفاصيل محافظها المالية، وهل تخضع لرقابة أجهزة الدولة، أم أنها خارج الرقابة، ما مؤهلات الإدارة العليا بها؟

تلك الأسئلة وغيرها قد لا تجد إجابة لدى القائمين على إدارة تلك الكيانات العملاقة في المستقبل القريب، في ظل فرض الحكومات والأنظمة العربية حالة غموض شديدة على صناديقها السيادية ومؤسسات إدارة فوائض الأموال وتعتيم على أي أخبار متعلقة بها.

بل إن الصناديق السيادية في عرف بعض الحكومات العربية هي بمثابة "مؤسسات سرية مغلقة" وربما شركات خاصة لا علاقة للمواطن بها من قريب أو بعيد.

ولذا تستغرب تلك الحكومات عندما يخرج أحد ليسأل عن مصير الأموال داخل تلك الصناديق، وهل تؤول لموازنة الدولة، وما جدوى استفادة المواطن منها؟

المساهمون