سلعنة الأحداث وتسعير البشر

09 نوفمبر 2023
توغل جيش الاحتلال في بعض أطراف قطاع غزة (رويترز)
+ الخط -

لعل تبدّل الموقف الدولي، والأميركي أولاً، بشأن تفريغ قطاع غزة وتهجير سكانه إلى جمهورية مصر العربية "سيناء" كبداية، يتبعها تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، ضمن ما عُرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو ما قيل عن فخ صفقة القرن، من الانتصارات التي تحسب لحركة حماس، ضمن ما سجلت الحركة من انتصارات، بدلت فعلاً لا قولاً من النظرة للقضية الفلسطينية والتعاطي الدولي معها، وربما باستمرار قطع علاقات دول مع إسرائيل ومن التظاهرات الممتدة حول العواصم العالمية وفضح وحشية وفكر الصهاينة التوسعي، أدلة ماثلة لا تحتاج إلى عناء الإثبات.

ولأن بطولات مقاتلي المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني ورفضه النزوح، رغم الاستهداف والموت اليومي، أجهضا أية خطة أو مشروع تآمري سابق، انتفت ربما الحاجة للتطرق إلى المشروع الذي نشره موقع "Mekomit" أو صحيفة "كالكاليست" الإسرائيليان، حول ما زعم أنه وثيقة وزارة الاستخبارات الإسرائيلية حول مراحل تهجير أهل غزة والتلميح إلى التوافق مع القاهرة.

كما الصمود والبطولات، مشفوعان بصحوة ضمير عالمية، لدى الشعوب على الأقل، أجهضت ما قيل عن تمويل الرئيس الأميركي جو بايدن خطة ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة بمبلغ 14.3 مليار دولار.

وكل ذلك، فضلاً عن رفض مصر والأردن، قبول أي مشروع تهجيري يعيد الفلسطينيين لنكبة عام 1948، وعودة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خائباً، بعد جولتيه للمنطقة حاملاً مشروع التهجير والتطهير الذي اعتمدته بلاده تاريخيا، بحق الهنود الحمر خلال نشأتها، والذي تلاشى اليوم كاملاً، رغم القبول والتقبل الأورو-أميركي بالبداية.. وموافقة طرف عربي خليجي، بل ووعود ذلك الشقيق، بتمويل المشروع أو بعضه.

قصارى القول: عرفت تل أبيب وواشنطن، بداية حرب "طوفان الأقصى" على الأقل، وعبر التضليل ومحاولات تشتيت النظر عن الذل وتحطيم الشعارات الكبيرة التي بنتها إسرائيل حول قوتها العسكرية والاستخباراتية لعقود، أن تسلعن الحدث وتدخله بوابة المساومات الاقتصادية والجغرافية، بعد تسويق المظلومية عبر مغالطة "حق الدفاع عن النفس" وخلط الأحداث واللعب على حقائق التاريخ وخطوط الجغرافيا.

ومشت، ضمن الخطط وسلعنة الحدث وقتذاك لتصل إلى تسعير البشر "الفلسطينيين"، من خلال الترويج أن مصر تطلب مليارات الدولارات، بعد شطب ديونها الخارجية، لتستقبل نحو 2 مليون فلسطيني على أرضها، وأن الأردن طلبت مقابل تتمة الخطة وتهجير سكان الضفة الغربية، ضمن خطة "التطهير العرقي" والتحضير لإسرائيل الكبرى بعرق يهودي فقط، ولتصل أبعاد ترويج التضليل إلى تركيا، التي كانت، قبل الحرب على غزة، تستعد لشهر عسل جديد مع إسرائيل، بعد عودة السفراء والزيارات المتبادلة والوعود بمشروعات طاقة وسياحة وبلوغ التبادل 20 مليار دولار.

وطاول رمي الشائعات التي لاقت أذناً لدى بعض أحزاب المعارضة التركية، وربما كانت تتحول إلى وقائع لولا ما رأيناه من إعجاز المواجهة الفلسطينية والتشبث بالأرض، أن اتفاقاً بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقضي باستقبال تركيا مليون لاجئ فلسطيني، مقابل حصول أنقرة على ملياري دولار.

وهو ما نفاه اليوم مركز مكافحة التضليل الإعلامي التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية.

خلاصة القول: حينما تضع الحرب الأميركية الإسرائيلية على غزة أوزارها، ستتكشف كثير من الحقائق والمؤامرات، التي حاكها الطرفان، بالتواطؤ هنا والدعم أو الصمت هناك.

بيد أن الحقيقة التي كشفها فلسطينيو غزة ومنذ اليوم الأول، متعددة الوجوه، إن بدأت من تأكيد أن إسرائيل ثكنة عسكرية وضعيفة، وليست دولة ديمقراطية كما كان الترويج، لن تنتهي الحقائق حول سعر وسلعنة اليهود المقيمين بالأرض المحتلة، أو من يتم إغراؤهم ليقيموا بأرض الميعاد.

ولعل بهروب أكثر من 250 ألف يهودي إلى مواطنهم الأصلية مؤشر، كما بعدم كفاية عرض "بيت وعمل" إغراء كاف لجذب شذاذ الآفاق ومرضى النكوص حول العالم، مؤشر آخر، ليبقى الدليل القاطع أن مال الدنيا لا يغري ابن الأرض لترك أرضه، وبذلك ضمن تكشّف الحقائق، دحض لمقولات أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم لليهود.

وقد لا مبالغة بالأمل على نتائج آخر حروب الكرامة مع المحتل الإسرائيلي ربما، أن تلوح بعد الحرب لاحقاً، ملامح نبوءات زوال المحتلين بالعقد الثامن، بعد الذي نراه من خسائر هائلة تعدت 50 مليار دولار، وتتعاظم كلما استمرت الحرب وصمد أهل الأرض، مقابل الهروب الكبير وتبديد الطروحات الدينية والجغرافية التي مولتها الحركة الصهيونية بالمال، لظنها أن كل القضايا يمكن سلعنتها وجميع البشر قابلون للتسعير والبيع والشراء.

المساهمون