خطوات متعثرة لإنعاش السكن الاجتماعي في تونس

خطوات متعثرة لإنعاش السكن الاجتماعي في تونس

12 مايو 2024
عامل بناء في أحد مواقع الإنشاء في العاصمة تونس، 21 يونيو 2016 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- طارق القروي، مواطن تونسي يأمل في الحصول على سكن اجتماعي ضمن برنامج حكومي أُطلق في 2012 لمواجهة ارتفاع أسعار العقارات، يستهدف بناء 13400 وحدة سكنية للطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل.
- الطلب الكبير على السكن يفوق العرض بشكل هائل، مع تقدم أكثر من 230 ألف تونسي للبرنامج، مما يعكس تحديات مثل تراجع الدور الاجتماعي للدولة وعزوف المطورين عن بناء مشاريع ميسورة التكلفة.
- تونس تواجه تحديات في قطاع الإسكان تشمل ارتفاع كلفة البناء وندرة الأراضي، مع سعي الحكومة لإصلاح السياسة السكنية عبر برامج مثل "المسكن الأول" لضمان حق السكن للجميع.

لا يزال المواطن التونسي طارق القروي ينتظر الموافقة الرسمية للحصول على سكن اجتماعي ضمن برنامج أعلنت عنه الدولة منذ عام 2012 لتوفير مساكن للطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل بأسعار مقبولة، بعد أن شهدت أسعار العقارات ارتفاعاً حاداً خلال السنوات العشر الماضية.

يتطلع طارق البالغ من العمر 45 عاماً، وهو رب أسرة تتكون من ثلاثة أفراد، إلى الحصول على مسكن يتكون من صالون وغرفتين لا تتعدى مساحته 75 متراً مربعاً في منطقة البكري من محافظة أريانة القريبة من العاصمة تونس. ويقول في حديثه لـ"العربي الجديد" إن قائمة الانتظار للحصول على المساكن الاجتماعية طويلة، وقد يحتاج الأمر لسنوات أخرى ليحقق أمنية امتلاك شقّة.

يؤكد المتحدث أن مشروع المساكن الاجتماعية في المنطقة يشمل إنشاء أكثر من 1400 مسكن، لكن عدد من تقدموا بطلبات للحصول على شقق قد يكون بعشرات الآلاف، ما قد يؤخر عملية فرز طلبات المستحقين الذين تتوفر فيهم الشروط. وعام 2012، أطلقت الحكومة التونسية برنامجاً لبناء نحو 13400 وحدة سكنية على فترة تمتد إلى عام 2025، بأسعار تُحدّد حسب المساحة والمنطقة وتراعى فيها القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية التي يستهدفها البرنامج.

ووفق بيانات رسمية لوزارة التجهيز والإسكان، تقدم أكثر من 230 ألف تونسي للحصول على مساكن اجتماعية. ويجد طيف واسع من التونسيين عقبات كبيرة أمام النفاذ إلى حق السكن مع تراجع الدور الاجتماعي للدولة وتراجع رغبة المطورين العقاريين في إنشاء مشاريع سكنية تراعي القدرة الشرائية للطبقات الوسطى التي تمثل العمود الفقري للبناء المجتمعي في تونس.

وعلى امتداد العقود الأولى التي تلت استقلال البلاد عام 1956، انتفع التونسيون من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود من مشاريع السكن الاجتماعي التي أطلقتها الدولة عن طريق شركات التطوير الحكومية، غير أن هذا الدور انحسر كثيراً خلال السنوات الأخيرة رغم محاولات عدة لإنعاشه. وفي إبريل/ نسيان الماضي، أقرت وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزغفراني بضرورة "مراجعة الاستراتيجية السكنية الحالية وتقييم أداء قطاع السكن خلال العقود الماضية، بهدف إصلاح السياسة السكنية المتبعة واستباق احتياجات المواطن التونسي".

ويحرم تراجع برامج إنشاء وتمويل المساكن الاجتماعية الأجيال الجديدة من حق السكن الدستوري، ويحوّل تملّك المسكن إلى حلم صعب المنال بعد ارتفاع أسعار الشقق والمساكن إلى مستويات قياسية، فضلاً عن ارتفاع كلفة القروض التي تصل نسبة فائدتها إلى حدود 13%.

وقال الخبير في التطوير العقاري نور الدين شيحة إن من أسباب تراجع إقبال المطورين العقاريين على إنشاء مشاريع سكنية اجتماعية هو ارتفاع الكلف العامة للبناء والأراضي المهيأة للسكن، مشيرا إلى أن تونس تعاني من ندرة في هذا الصنف من الأراضي التي يفترض أن تخصص لإنشاء أحياء سكنية ذات كلفة منخفضة. وأكد شيحة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الأجيال السابقة استفادت من الرصيد العقاري المهم الذي خصصته الدولة لإنشاء مشاريع سكنية جرى تنفيذها من قبل المطورين العموميين بالأساس.

ووفق بيانات صادرة عن غرفة المطورين العقاريين، تبلغ حصة السكن الاجتماعي في البلاد 1.6% من إجمالي عدد المساكن التي تبنى سنوياً. وأفاد الخبير العقاري التونسي بأن هوامش الربح الضعيفة لمشاريع السكن الاجتماعي وارتفاع كلفة البناء أدت إلى عزوف المطورين عن بناء هذه المساكن مقابل مواصلة إحداث مشاريع سكنية رفيعة ذات كلفة عالية تفوق الطاقة الشرائية لأغلب التونسيين من طالبي السكن.

وقدر شيحة حصة ثمن الأراضي المعدة للبناء بما يتراوح بين 15% و25% من كلفة المساكن، غير أن تحوّل الأراضي المعدة للبناء إلى ساحة مفتوحة للمضاربة أضر كثيراً بحقوق التونسيين في الحصول على سكن نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الشقق المعدة للتمليك أو الإيجار، وتسبب في ركود المبيعات وتعثر القطاع الذي يشغل نحو 500 ألف تونسي، وأضاف أن "الارتفاع الجنوني لكلفة العقارات السكنية وندرة الأراضي الصالحة للبناء من العوامل الكثيرة التي أثرت على امتلاك التونسيين المنازل".

وتُنشأ سنويا 74 ألف وحدة سكنية في تونس، من بينهما 11 ألف وحدة من قبل المطورين في القطاع الخاص والحكوميين، أي ما يمثل 14% فقط من الاحتياجات. بينما تظهر التقديرات الرسمية أن ربع الأسر من بين ثلاثة ملايين عائلة لا تملك مسكن، أي ما يعادل 750 ألف أسرة، في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، ما دفع السلطات إلى التفكير في إصلاح شامل للقطاع الذي دخل في مرحلة ركود مطوّل.

ومنذ عام 1977، أحدثت تونس أول صندوق للنهوض بالمسكن لفائدة الأجراء (العمال)، حيث مكنت هذه الآلية حينها من تمويل ما يقارب 60 ألف مسكن عن طريق قروض ميسرة لتمويل اقتناء مساكن أو بناء ذاتي. كذلك، طرحت الدولة عام 2012 برنامجاً للسكن الاجتماعي، وهو برنامج موجه للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، كما جرى عام 2017 تدشين برنامج المسكن الأول الذي أُحدث لتمكين الأفراد والعائلات متوسطة الدخل من تمويل اقتناء مساكن منجزة من قبل المطورين العقاريين بقروض ميسرة لتغطية مبالغ التمويل الذاتي بنسبة فائدة لا تتجاوز 2%.

المساهمون