تفاصيل خطة خفض الإنفاق العام في تركيا.. الأسباب وأبرز القطاعات المتضررة

13 مايو 2024
وزير المالية التركي محمد شيمشك/ في واشنطن 19 إبريل 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزير المالية التركي محمد شيمشك يعلن عن تدابير جديدة لخفض الإنفاق العام، تشمل وقف شراء واستئجار السيارات الجديدة وتجميد بناء منشآت جديدة لمدة ثلاث سنوات، بهدف تعزيز الثقة في النظام المالي وخفض التضخم.
- الحكومة التركية تجمد المشاريع الجديدة وتبطئ مشاريع البنية التحتية مثل قناة إسطنبول، في إطار العودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية لمواجهة ارتفاع التضخم وتحسين قيمة الليرة.
- نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، جودت يلماظ، يضيف بنودًا جديدة لضبط الإنفاق تشمل إيقاف استخدام المركبات الأجنبية وتقييد توظيف الموظفين الجدد، لتحقيق التوازن المالي وتحسين معيشة المواطنين.

كُشف اليوم الاثنين عن حزمة تدابير تستهدف خفض الإنفاق العام في تركيا بهدف زيادة الكفاءة في أحدث خطوة لبناء الثقة في النظام المالي التركي. وأوضح وزير المالية محمد شيمشك، في مؤتمر صحافي في المجمع الرئاسي بأنقرة لإعلان الحزمة، أن الإجراءات تتضمن وقف شراء السيارات الجديدة واستئجارها للمؤسسات العامة لثلاث سنوات، بالإضافة إلى وقف شراء منشآت جديدة أو بنائها. 

وتأتي سياسة الترشيد وضبط النفقات الحكومية، إلى جانب السياسة النقدية بتحريك الفائدة المصرفية والمالية بزيادة الضرائب ورفع أسعار الطاقة، منذ تشكيل الحكومة الجديدة، بعد الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار العام الماضي، بهدف خفض نسبة التضخم إلى خانة الآحاد وتحسين سعر صرف الليرة التركية التي وصلت إلى 32.2 ليرة مقابل الدولار الواحد اليوم.

وتوقعت وكالة بلومبيرغ الجمعة الماضية، أن يهدأ سخاء الإنفاق العام في تركيا بينما تستعد الحكومة لتجميد المشاريع الجديدة من أجل التركيز على مكافحة التضخم، وأشارت إلى أن خطط خفض الإنفاق العام في تركيا تشمل إبطاء بعض مشاريع البنية التحتية في مراحلها المبكرة وإيقاف مشاريع جديدة ما لم تعتبر ضرورية للسنوات الثلاث المقبلة، ورجحت أن يؤثر ذلك في المشاريع الضخمة مثل قناة إسطنبول. 

وتأتي الخطوة في وقت تعود فيه تركيا إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية بعد اضطرابات استمرت لسنوات أدت إلى ارتفاع حاد في التضخم الذي اقترب من 70 % في إبريل/ نيسان. وأضاف شيمشك أن حزمة إجراءات خفض الإنفاق العام في تركيا تشمل خفض مشتريات السلع والخدمات وعلاوات الاستثمار لزيادة ضبط الإنفاق في الموازنة، ستساهم في خفض التضخم. وأكد شيمشك أن "حزمة التوفير هذه ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة".

وأضاف شيمشك أن حزمة خفض الإنفاق العام في تركيا ستسرّع وتساعد على تحقيق التوازن المالي وتعزيز الكفاءة الاقتصادية في إدارة الموارد، ومن ثم تنفيذ برنامج الحكومة الاقتصادي، مثل خفض 10% من مخصصات شراء السلع والخدمات، و15% من مخصصات الاستثمار، باستثناء نفقات الزلزال والنفقات الإجبارية، مؤكداً أن الأولوية الأكثر أهمية هي القضاء على مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة وهذا يعني خفض التضخم إلى أرقام فردية، وهو ما يؤدي في الوقت ذاته، إلى تحقيق الرخاء والنمو المرتفع المستدام.

قطاعات خفض الإنفاق العام في تركيا

من جانبه، أعلن نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، جودت يلماظ إضافة بنود جديدة لخطة ضبط الإنفاق الحكومي والانضباط المالي، ضمن الجهود المبذولة للسيطرة على النفقات العامة، مبيناً أن النقاط العشر الجديدة هي التي أوعز بها رئيس الدولة، رجب طيب أردوغان بعد اجتماع مجلس الوزراء في إبريل/نيسان الماضي. 

وأضاف يلماظ في المؤتمر ذاته، أن الضبط الجديد يتماشى مع تعزيز البرنامج الاقتصادي متوسط المدى الهادف إلى خفض التضخم وتعزيز ثقافة الادخار، معتبراً إياها مكملة لزيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة أمام الإنتاج التركي، آملاً أن يتم التركيز على المشاريع التي يكون لها تأثير أكبر باستخدام موارد أقل، واعداً بتقديم دراسة مفصلة حول مجالات ضبط النفقات وحزمة التوفير بالقطاع الحكومي. 

وأشار يلماظ إلى أن قطاعات خفض الإنفاق العام في تركيا ستشمل، إيقاف استخدام المركبات الأجنبية، باستثناء ما يسمح به القانون، وإيقاف شراء المركبات الجديدة واستئجارها لمدة 3 سنوات، باستثناء الاحتياجات الإلزامية في مجالات مثل الإسعاف والدفاع والأمن، ومراجعة إيجارات السكن ورسوم المرافق الاجتماعية، وسيقتصر توظيف الموظفين الجدد على المتقاعدين لمدة 3 سنوات، وسيتم إيقاف تشييد المباني الجديدة لمدة 3 سنوات باستثناء مخاطر الزلازل، وفرض سقف على رواتب مجلس الإدارة للموظفين العموميين، وتصفية المركبات الفائضة، وتعليق بناء المرافق الاجتماعية وشرائها وتأجيرها إلى أجل غير مسمى، كما أنه لن يتم تنظيم أنشطة تناول المشروبات أثناء السفر باستثناء الاجتماعات الدولية والعطلات الوطنية.

ورفع البنك المركزي التركي الخميس الماضي، توقعاته للتضخم في نهاية العام إلى 38 % من 36% في السابق بينما حافظ على توقعاته للعام 2025 عند 14%، وقال محافظه فاتح قره خان إنه "سيفعل كل ما بوسعه" لتجنب أي تدهور للوضع في ما يخص التضخم، إذ يتمسك البنك بموقفه بتشديد السياسة النقدية. ورفع البنك أسعار الفائدة بقوة بما بلغ 4150 نقطة أساس منذ يونيو/ حزيران الماضي، لكنه أبقى عليه من دون تغيير عند 50 % في إبريل/ نيسان لإعطاء فرصة لنهج تشديد السياسة النقدية الذي تبناه في وقت سابق ليحدث تأثيراً، وهو النهج الذي شمل زيادة قدرها 500 نقطة أساس في مارس/ آذار.

وتبنت الحكومة التركية خطة اقتصادية جديدة بعد الانتخابات الرئاسية في 2023، وأعلنت  بدء التحول إلى السياسات التقليدية والاستناد إلى الشفافية والقدرة على التوقع وفق المعايير الدولية وفق تصريحات سابقة للوزير شيمشك. وبناء على البرنامج الاقتصادي الجديد، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد التركي معدل نمو بنسبة 4% هذا العام، وأن يصل عجز الموازنة بصفتها نسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 6.4%، على أن يبلغ معدل البطالة 10.3%، ويهدف البرنامج إلى أن تصل الصادرات التركية إلى 267 مليار دولار نهاية 2024، وقيمة الواردات إلى 372.8 مليار دولار.

تحسن مؤشرات الاقتصاد التركي

ويرى الاقتصادي التركي، مسلم أويصال أن الحزمة التي أعلنها وزير المالية اليوم، ستساعد على تحقيق البرنامج الاقتصادي الذي أعلنوه "رفاهية المواطن" ولكن ستؤثر، على الأرجح، على نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف أويصال لـ"العربي الجديد" أنه في حال لم تغيّر الحكومة من تطلعاتها وتعيد النظر في نفقات المشاريع الكبيرة، فلن تستطيع خفض التضخم، لأنها كانت تسعى لأمرين متعاكسين، زيادة النمو وخفض التضخم، أما اليوم وبهذه القناعة والترشيد، فمن الممكن أن تنخفض نسبة التضخم وتتحسن معيشة المواطن التركي، ولكن السؤال حول نسبة البطالة في حال إيقاف النشاطات الحكومية والمشاريع الكبيرة، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة وقف رفع الحد الأدنى للأجور وصب الاهتمام على خفض الأسعار والتضخم، معتبراً دعم الصناعات الحقيقية والقطاع الزراعي، سبيل تركيا لزيادة الإنتاج والتصدير، وإلا، ستبقى الحكومة تدور بحلقة مفرغة بحسب وصفه.

وأعلنت وكالة ستاندرد أند بورز في وقت سابق من الشهر الجاري، رفع التصنيف الائتماني لتركيا من "B" إلى "B+"، وأوضحت وكالة التصنيف الائتماني، في بيان، حفاظها على النظرة المستقبلية لتركيا عند "إيجابية". وانعكس ذلك على زيادة اهتمام الاستثمار الأجنبي بأصول الليرة التركية، حيث انخفض مؤشر "علاوة مخاطر الائتمان" لأجل 5 سنوات في تركيا "CDS" الخميس الماضي، مسجلاً أدنى مستوى له منذ فبراير/ شباط 2020، ببلوغه 276 نقطة أساس، بينما كان قد وصل إلى 700 نقطة في مايو/ أيار 2023.

وقال شيمشك في تصريحات سابقة، إن الثقة المتزايدة والقدرة على التنبؤ في الاقتصاد التركي تؤثران إيجاباً على توفير تمويل خارجي. وأضاف أن صافي تدفقات المحافظ الاستثمارية سجل 16.8 مليار دولار بين يونيو/ حزيران 2023 وفبراير/شباط 2024. 

المساهمون