تراجع الثقة في البنوك المصرية... هل له مبرر؟

29 اغسطس 2023
تراجع في معدل ثقة بعض المواطنين في مصر بالقطاع المصرفي/ العربي الجديد
+ الخط -

دعونا نعترف أن هناك تراجعا في معدل ثقة بعض المواطنين في مصر بالقطاع المصرفي، لا أقول الكل، بل شريحة قد تمثل عددا لا يجب التعامل معه بخفة واستهانة وتجاهل.

وهذه الحالة لها أسبابها الموضوعية والمنطقية، فبنوك لبنان التي وضعت يدها على أموال المودعين وترفض الإفراج عنها وإعادة المدخرات لأصحابها ليست ببعيدة عن مصر.

ورغم مرور أكثر من 3 سنوات على حال البنوك اللبنانية المزرية، إلا أنه لا يوجد حل في الأفق القريب والمتوسط، بل قد يفقد المودعون جزءا من أموالهم حينما يتم تحميلهم جزءا من خسائر القطاع المصرفي والتي تتجاوز 130 مليار دولار وفق تقديرات.

هناك عجز في أرصدة النقد الأجنبي لدى البنوك المصرية بلغ نحو 27.1 مليار دولار بنهاية شهر يونيو/حزيران الماضي وفق أحدث الأرقام

وهناك عجز في أرصدة النقد الأجنبي لدى البنوك المصرية بلغ نحو 27.1 مليار دولار بنهاية شهر يونيو/حزيران الماضي وفق أحدث الأرقام، وهو ما يعادل أكثر من نصف إجمالي الودائع بالنقد الأجنبي.

والجنيه المصري تتآكل قيمته منذ نهاية عام 2016، بل وفقد أكثر من نصف قيمته خلال عام 2022 فقط، ونحو 70% مقارنة بالأسعار السائدة حاليا في السوق السوداء.

ولا تزال الحكومة تعتمد على أموال البنوك الدولارية في سد جزء من أعباء الدين الخارجي، أو تمويل واردات السلع الغذائية مثل القمح والذرة والزيوت والوقود وغيرها من السلع الاستراتيجية، أو تغطية الطروحات الحكومية من أدوات الدين المختلفة مثل السندات وأذون الخزانة التي يتم طرحها بالدولار أو اليورو.

ولا تزال البنوك هي من تقدم القروض الدولارية لمشروعات كبرى قد لا تدر عائدا سريعا بالنقد الأجنبي، وقد لا تدر أصلا.

ولا يزال يجرى تحميل البنوك مسؤولية تدبير تمويل للواردات الخارجية، وحل أزمة تكدس السلع المستوردة في الموانئ، حيث إنها ملزمة بتدبير النقد الأجنبي للمستوردين أصحاب تلك السلع.

لا أتحدث هنا عن شريحة مهمة من الشعب المصري باتت تخشى أصلا التعامل مع البنوك لأسباب عدة منها ما هو ديني، ولنستثني منها هؤلاء الذين يكتنزون مدخراتهم الدولارية في البيوت خوفا من مصادرتها، أو الذين يناكفون السلطة القائمة ويمارسون أدنى أنواع المعارضة السلبية.

بل أتحدث عن هؤلاء الذين باتت تزعجهم أنباء مهاجمة مودعين مقار البنوك اللبنانية وفروعها للحصول على أموالهم بقوة السلاح، حاملين معهم المسدسات وغيرها من أدوات التهديد.

أتحدث عن هؤلاء الذين يتابعون مزاعم متواصلة تتحدث عن قرب إفلاس مصر وتعثرها عن سداد أعباء الديون، وهو ما سينعكس سلبا على ودائعهم

أتحدث أيضا عن تلك الشريحة التي باتت تتأثر بشدة بما يبث في بعض وسائل الإعلام التي تحذرهم من التعامل مع البنوك، أو شراء أوعية ادخارية فيها مطروحة بالعملات الأجنبية، أو إيداع مدخراتهم الدولارية فيها.

أتحدث عن هؤلاء الذين يتابعون مزاعم متواصلة تتحدث عن قرب إفلاس مصر وتعثرها عن سداد أعباء الدين الخارجي، وهو ما سينعكس سلبا على ودائعهم.

اذاً، المتخوفون وفاقدو الثقة بالقطاع المصرفي لديهم مبررات قوية من مخاوف الإيداع في البنوك، وهذه الحالة لم يتم قياسها رقميا بعد حتى نعرف العدد بدقة وحجم الأموال اليت بحوزتهم.

لكن في المقابل لا يجب إنكارها ببيانات وتصريحات، والخروج من وقت لآخر بالتأكيد على حدوث زيادة في ودائع القطاع المصرفي، وهو ما يعني زيادة الثقة بالبنوك والسياسة الاقتصادية للدولة، فهذا الكلام مردود عليه.

فالزيادة في حجم الودائع قد تكون ناتجة فقط عن زيادة أسعار الفائدة في البنوك، وليست ناتجة عن ضخ سيولة جديدة سواء بالجنيه المصري أو بالعملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار.

أزمة ثقة البعض في القطاع المصرفي حتى وإن نظرنا إليها على أنها لا تمثل ظاهرة جماعية، وأنه لا يزال هناك 14.2 مليون مصري يتعاملون مع البنوك من واقع الأرقام الرسمية، لكنها موجودة ولا يمكن لأحد إنكارها ودفن الرؤوس في الرمال.

لا يكفي الخروج من وقت لآخر والتأكيد أن أموال المصريين في البنوك آمنة، فشريحة من هؤلاء يحتاجون لخطوات عملية لاسترداد ثقتهم

والمطلوب حلها بشكل جذري بسبب حساسية القطاع، وإعادة ثقة المصريين بقطاعهم المصرفي الذي يتولى تاريخيا إدارة مدخراتهم ويحافظ عليها بل وينميها ويزيد قيمتها، لا أن يهددها ويعرضها للمخاطر كما يزعم البعض من وقت لآخر.

لا يكفي هنا الخروج من وقت لآخر والتأكيد أن أموال ومدخرات المصريين في البنوك آمنة، فشريحة من هؤلاء يحتاجون لخطوات عملية لاسترداد ثقتهم وإعادة الاعتبار لعملتهم وسد الفجوة في أرصدة النقد الأجنبي وتخفيف الحكومة قبضتها على القطاع، خاصة في ما يتعلق بالمدخرات الدولارية وتمويل أنشطة غير استثمارية.

المساهمون