الملفات المسكوت عنها في المؤتمر الاقتصادي

الملفات المسكوت عنها في المؤتمر الاقتصادي

26 أكتوبر 2022
جانب من المشاركين في المؤتمر الاقتصادي وفي الصورة محمود محي الدين /فيسبوك
+ الخط -

على الرغم من الصيت الإعلامي والإنفاق الضخم الذي حظي به المؤتمر الاقتصادي الذي عقد هذا الأسبوع بالقاهرة ولمدة 3 أيام، إلا أن المخرجات الصادرة عنه، حتى الآن، لا تزال ضعيفة ولا يجب مقارنتها حتى بمخرجات المؤتمر الذي عقد في العام 1981 في بداية حكم مبارك، أو أي مؤتمر اقتصادي جاد آخر.

فالمؤتمر الأخير تحول إلى "مكلمة كبيرة" لتجميل الأرقام والمؤشرات واستعراض نجاحات غير حقيقية وربما غير موجودة أصلاً إلا في مخيلة الوزراء وكبار المسؤولين، والمشاركون به ألقوا، كالعادة، الأزمة الاقتصادية المحلية من غلاء الأسعار وأزمة عملة على عوامل خارجية، مثل حرب أوكرانيا والتضخم العالمي وداء كورونا.

المؤتمر الأخير تحول إلى "مكلمة كبيرة" لتجميل الأرقام والمؤشرات واستعراض نجاحات غير حقيقية وربما غير موجودة أصلاً

كما شهد المؤتمر إعادة تدوير للحلول الاقتصادية، مثل طرح فكرة سلة العملات ومؤشر الجنيه، وضرورة تحسين مناخ الأعمال وتقوية القطاع الخاص، والقضاء على البيروقراطية وهيكلة الجهاز الإداري للدولة، والتركيز على تعزيز ودعم مصادر العملة الصعبة، وتحسين قطاع الخدمات، مثل السياحة والصادرات، وهي كلها حلول لا ترقى لمستوى الحدث وتحدي الأزمة الحالية والتي من أبرز ملامحها الغلاء الفاحش وضعف الجنيه وهروب الأموال.

ولذا لم أفاجأ مثلا بتحميل المواطن مسؤولية الاخفاق الاقتصادي الذريع خلال جلسات المؤتمر، كما لم أفاجأ باستبعاد خبراء الاقتصاد الجادين الذين لديهم تصورات واقتراحات حقيقية للتغلب على الأزمة الاقتصادية والمالية العنيفة التي تمر بها البلاد، واستبعاد أي ممثلين أو خبراء من تيار 25 يناير وأحزاب معارضة لديها رؤية مختلفة، وقصر المشاركة على لون واحد هو 30 يونيو.

موقف
التحديثات الحية

المؤتمر في مجمله تفادى الخوض في قضايا جادة، فلم يتطرق مثلا إلى مخاطر السفه في الاقتراض وكارثة تنامي الدين الخارجي والذي وصل لمستويات غير مسبوقة، وإغراق البلاد في ديون ضخمة تمثل عبئا شديدا على الموازنة العامة وإيرادات الدولة وضغطا متواصلاً على سوق الصرف وسعر العملة المحلية.

ولم نسمع أحداً يطرح سؤالاً جوهرياً خلال جلسات المؤتمر حول كيفية إنفاق 112 مليار دولار قروضاً خارجية تم الحصول عليها خلال السنوات القليلة الماضية وانعكاس ذلك على المواطن والاقتصاد، وخريطة سداد هذه الأموال.

ولم نسمع عن تقييم موضوعي لتجربة الدخول في اتفاق مع صندوق النقد الدولي تم بموجبه اقتراض ما يزيد عن 20 مليار دولار مقابل تطبيق برنامج تقشفي حاد، ما الذي استفاده المواطن من هذا الاتفاق؟.

وما هي شروط القرض الجديد، وهل من بينها رفع الدعم عن رغيف الخبز وإلغاء دعم الوقود كلية، وتعويم الجنيه للمرة الثالثة في غضون سنوات تقل عن 6 سنوات.

لم نسمع أحداً يطرح سؤالاً جوهرياً خلال الجلسات حول كيفية إنفاق 112 مليار دولار قروضاً خارجية تم الحصول عليها خلال السنوات الماضية

لا أتحدث هنا عن مدى استفادة المواطن من قروض صندوق النقد، فكلنا نعرف أنه لم يحصد سوى مرار الغلاء وخفض الدعم وزيادة فواتير وكلفة البنزين والسولار والغاز والمواصلات والكهرباء والمياه والسلع الغذائية وغيرها.

ولم يجرؤ أحد أن يسأل خلال المؤتمر عن جدوى إقامة العاصمة الإدارية الجديدة، وحجم الأموال التي تم استقطاعها من إيرادات الدولة لصالح مشروعات تتم إقامتها داخل تلك العاصمة، مثل المقر الحكومي ومقر البرلمان وأضخم مسجد وأكبر كنيسة وأكبر دار للأوبرا في منطقة الشرق الأوسط، إضافة أيضاً إلى ناطحات سحاب وأكبر برج في أفريقيا.

ولن يسأل أحد طبعاً عن قيمة أراضي الدولة التي حصلت عليها الشركة التي تتولى تشييد العاصمة الإدارية، وهل تم سدادها، وكمية الأموال التي تدفقت على موازنة الدولة مقابل تخصيص تلك الأراضي البالغة مئات الكيلومترات، أم حصلت عليها الشركة بالمجان، وهل السيولة النقدية البالغة قيمتها 90 مليار جنيه المودعة في البنوك تابعة للدولة المصرية أم لشركة العاصمة؟

ولم نسمع خلال المؤتمر تقييماً حقيقياً للمشروعات القومية الكبرى سواء التي تم تنفيذها بالفعل، أو الجدية التي يتم اقتراض مليارات الدولارات من الخارج لإقامتها، ومنها مشروع القطار السريع الذي ينقل رواد الساحل الشمالي ومدينة العلمين ومارينا وغيرها إلى سواحل البحر الأحمر والعين السخنة مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة، وكذا نهر العاصمة الإدارية وغيرها.

لم يدلنا أحد المشاركين في المؤتمر الاقتصادي عن حجم المساعدات الخليجية التي حصلت عليها الحكومة منذ منتصف 2013

ولم تقدم لجنة بالمؤتمر مقترحات محددة حول كيفية إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي في ظل المخاطر الأخيرة التي تواجهه وتقرير ستاندرد أند بورز الأخير الذي يتوقع زيادة الاحتياطيات إلى 35 مليار دولار فقط في العام 2025، وهو مبلغ لا يزيد كثيراً عن المبلغ الحالي.

ولم يدلنا أحد المشاركين في المؤتمر الاقتصادي عن حجم المساعدات الخليجية الضخمة التي حصلت عليها الحكومة منذ منتصف 2013، وأين أنفقت، ولماذا توقف الأشقاء الخليجيون عن تقديم المزيد من المساعدات رغم اطلاعهم على حجم الأزمة المالية الصعبة التي تمر بها البلاد.

ولم يتحدث أحد عن انتشار ظاهرة الاحتكارات وتركز الثروة في السوق، وسيطرة عدد محدود من المؤسسات ورجال الأعمال على ثروات الدولة.

ولم يتم خلال المؤتمر الإعلان عن خطة محددة لتقديم مساعدات نقدية ضخمة لملايين الأسر من المنتمين لفئة الفقر المدقع، أو مخصصات لإقامة مئات المستشفيات والمدارس ودور الرعاية الصحية، أو خطط محددة لمواجهة البطالة والفقر وخفض الأسعار والضرائب والرسوم الحكومية.

ولم نسمع نقدا خلال المؤتمر لغياب الأولويات وكيفية وقف اهدار المال العام على مشروعات ومؤتمرات ومناسبات لا تمثل أولوية للمواطن.

نحن بحاجة إلى مؤتمر يعالج الأزمات الاقتصادية القائمة، لا إلى مؤتمر يتجاهل حتى مناقشة القضايا الحقيقية ومستقبل الوطن ويدفن الرؤوس في الرمال، ويكتفي بالتنصل من المسؤولية وتحميل المواطن وحده مسؤولية أي إخفاق اقتصادي أو مالي، وهو الذي تحمل تبعات قرارات وإجراءات تقشفية لا تتحملها جبال راسيات.

المساهمون