العائدون من المعتقلات: الحصار الاقتصادي للصحافيين في مصر أشد قسوة

العائدون من المعتقلات: الحصار الاقتصادي للصحافيين في مصر أشد قسوة من عذاب السجون

27 مارس 2024
عبّر صحافيون عن صدمتهم الاقتصادية التي سحقتهم أثناء فترة الاعتقال (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مصر، عانى الصحافيون لعقد من الزمان من الاعتقالات والتحقيقات، مما أثر بشكل كبير على حياتهم وحياة أسرهم، وكشف الاجتماع الأول لنقابة الصحافيين عن الصدمات الجماعية التي تعرضوا لها.
- الصحافيون يواجهون صعوبات اقتصادية واجتماعية بعد الإفراج عنهم، بما في ذلك استعادة حقوقهم المالية وإيجاد عمل، وقد تحدثت الصحافية منال عجرمة عن معاناتها وتحديات استعادة حقوقها.
- نقابة الصحافيين تواجه تحديات في دعم الصحافيين المعتقلين والمفرج عنهم بسبب الإمكانيات المالية المحدودة والقيود الأمنية، وتسعى لإيجاد حلول مثل إنشاء صندوق للتكافل والبحث عن فرص عمل.

الحصار الاقتصادي أشد قسوة من عذاب السجون في مصر، كلمات اختصرت مأساة عشرات الصحافيين الذين تعرضوا للاعتقال في عشرية سوداء، مازالت تلقي بقيودها على آخرين داخل السجون وزنازين التحقيق داخل الأجهزة الأمنية.

شكلت اعترافات الصحافيين صدمة جماعية، أمام أول اجتماع دعت إليه نقابة الصحافيين لتضميد جراح أعضائها الذين أمضوا بالمعتقلات فترات تتراوح ما بين عامين و5 أعوام رهن التحقيق، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر الخروج من غيابات السجون، وعشرات عادوا إلى أسرهم فوجدوا حياتهم وأسرهم قد تبدلت تبديلا. 

صدمة اقتصادية 

عبّر صحافيون عن صدمتهم الاقتصادية التي سحقتهم أثناء فترة الاعتقال، والتي بدأت بقطع رواتبهم فور القبض عليهم، من قبل المؤسسات التي يعملون بها بالمخالفة للقانون، الذي يتيح صرف رواتب المتهمين بارتكاب أية أعمال جنائية بصرف نصف الرواتب المقررة شهريا، لحين انتهاء فترة التحقيق أو صدور حكم قضائي بات بالإدانة. 

تناول المتضررون السوابق التاريخية، حينما كانت المؤسسات الصحافية تصرف جميع مستحقات الصحافيين المتهمين بجرائم نشر باعتبار تلك التهم من الأمور السياسية التي تقع على المتهم بسبب مهنته.

استشهد الصحافيون بالعنوان الثابت لاتهام كل منهم في قضايا " نشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة إرهابية" وجهت لصحافيين بمؤسسات حكومية وحزبية ومستقلة، يعتنق كل منهم أفكارا متناقضة مع الآخر. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تتسع التهمة لتشمل أصحاب الفكر اليميني والإسلامي والليبرالي وكذلك اليسار، وكان الأغرب وضع صحافي مسيحي بقائمة الانتماء إلى " جماعة الإخوان المسلمين". 

يبدو الصحافي المسيحي متسامحا عن الكارثة الاقتصادية التي لاحقته عقب القبض عليه بتهمة نشر خبر كاذب، لكن ما يحزنه أن الصحف التي عمل ببعضها ويعرف كتابها ديانته ومواقفه السياسية، كتبت عنه بصدر صفحاتها " القبض على الإرهابي...".

أثارت اعترافات الصحافي القبطي أمام خالد البلشي نقيب الصحافيين ومحمود كامل رئيس لجنة الحريات وأعضاء المجلس، شجون الصحافيين وأسرهم الذين وصمتهم السلطة بالإرهاب، بما يجعلهم تحت الحصار الدائم، اثناء مرحلة الاعتقال وبعد الخروج منها وسط مجتمع يعيش في خوف دائم من السلطة وقبضة الدولة الأمنية الغليظة. 

حقوق مالية مسلوبة 

كسرت الصحافية منال عجرمة، حاجز الصمت المفروض عليها من قبل عائلتها، بعد خروجها من المعتقل منذ أيام، لتؤكد أن العيش داخل المعتقلات يشكل مأساة لأسر المعتقلين، الذين يتحملون بمفردهم أعباء السعي بين الأقسام والمحاكم والسجون، لمتابعة التحقيقات وتقديم الطعون والإنفاق على طعامهم وزياراتهم وعلاجهم وكل أمرهم.

اعتاد الصحافيون من عجرمة، صلابة الرجال عند الشدائد، إلا أنها لم تستطع حبس دموعها، وهي توجه الشكر لأخوتها الثلاثة الذين تحملوا عبء رعايتها والإنفاق عليها داخل سجن النساء، لمدة طالت أكثر من عامين.

سربت الأجهزة الأمنية تقارير موسعة نشرت بالصحف أثناء التحقيق، حول حصول عجرمة عن تمويل أجنبي ونشر أخبار كاذبة، فإذا بالتحقيقات تنتهي بالاتهام الشهير كالختم المطاطي" نشر خبر كاذب والانتماء لجماعة إرهابية". 

تحطم قيد المعتقل عن عجرمة لتبدأ رحلة أخرى، نحو استعادة حقوقها المالية المسلوبة، اثناء فترة التحقيق، وسط مخاوف من أن تطاولها نفس المشكلة التي تعرض لها آخرون، حينما عادوا من السجون، فامتنعت مؤسساتهم عن دفع رواتبهم، لحين غلق ملف القضية بمحاكم أمن الدولة، التي لا تغلق ملفاتها أبدا. 

يروي الصحافي حسام السويفي أمام لجنة شكلها نقيب الصحافيين لتكريم المفرج عنهم، فلم تجد عبارة مناسبة تشكر فيها كل من قاوم القهر في السجون غير" الصحافة الحرة يستحيل كسرها.. معا ستبقى إرادة المظلومين لمقاومة الظلم وبناء عالم يتسع للجميع". 

رحلة البحث عن مصدر رزق 

قال " السويفي" إن الحصار الذي يتعرض له الصحافيون عند الخروج من المعتقلات دفع بعضهم إلى العمل كسائق تاكسي لتوفير لقمة العيش لأبنائه.

يؤكد السويفي أن جريدته الخاصة فصلته من العمل، ورفضت دفع مستحقاته خلال فترة الاعتقال، وكلما بدأ مشروعا صحافيا، يتعرض للاضطهاد والملاحقة بقضايا جديدة من شخصيات مدفوعة، تستهدف منعه من ممارسة مهنته.

يشير السويفي إلى عشرات الحالات من الصحافيين الذين يعانون شظف العيش ويعرضون عوائلهم لمذلة الفقر، بما ينسيهم مستقبلهم المهني والمخاوف من تردي الحريات العامة، وضيق أفق المجال العام، بعد أن انشغلوا بسبل تدبير الحد الأدنى من أعباء المعيشة. 

يستشهد صحافيون بحالات حصار أشد ايلاما، مع ملاحقة أجهزة الأمن لبعض الشخصيات التي حاولت أعالة معتقلين بتدبير نفقات الطعام وخدمات المحامين عبر ذويهم، فإذا بالسلطات تلاحقهم بتهمة " تمويل جماعات إرهابية".

تدفع التهمة للمتبرع لأي معتقل إلى السجن لمدد حدها الأدنى 10 سنوات، مع إمكانية رصده بقوائم الإرهاب التي تصدر أحكاما غيابية، بمصادرة الأموال السائلة والمنقولة، وتضع حظرا على السفر وتعامل الأفراد مع البنوك والمؤسسات المختلفة بالدولة. 

قوائم إرهاب الصحافيين 

يؤكد الصحافي هشام فؤاد أن وضعه بقوائم الإرهاب مستمر للعام العاشر على التوالي، رغم الإفراج عنه بعد فترة اعتقال دامت نحو 5 سنوات، بما يضعه في مأزق بعدم القدرة على صرف أية مستحقات مالية تصرفها أي جهة لحسابه. 

يخشى الصحافيون أن تستمر إجراءات الحصار المفروض عليهم، إلى أجل غير مسمى، مؤكدين أن استهداف السلطة لهم، يتخطى حدوده لدى أفراد عوائلهم الذين يلاحقونهم بألا يخوضوا في " السياسة".

ومنهم من يطلب الابتعاد عن المهنة تماما، مشيرين إلى أن التوسع في اعتقال الصحافيين، خلال السنوات الأخيرة، لمجرد الانتساب إلى وسيلة صحافية أجنبية أو الكتابة بدون أوامر الأجهزة السيادية، أو على خلاف من توجهات السلطة، لم يرهب المعتقلين بقدر ما يفزعهم الحصار الاقتصادي المفروض عليهم وعلى عوائلهم. 

الصورة
تكريم الصحفيين المفرج عنهم في مصر (العربي الجديد)
تقف إمكانات النقابة المادية حجرة عثرة أمام كسر الحصار الاقتصادي عن الصحافيين

اقترح صحافيون إنشاء صندوق للتكافل مع المعتقلين، وتشكيل لجنة للبحث عن فرص عمل لمن فقدوا وظائفهم، أو دخلهم من المؤسسات التي ينتمون إليها، والبحث عن وسائل لتمويل رحلة علاجهم النفسي والبدني الذي يتراجع بشدة لكل من أمضى فترة في السجن، جراء الإهمال العمدي لهم في الحصول على حق العلاج والطعام الجيد وحاجتهم الشديدة للدعم النفسي في رحلة العودة إلى المجتمع. 

تقف إمكانات النقابة المادية حجر عثرة أمام كسر الحصار الذي يفرض على أعضائها، بتعليمات أمنية يصعب الطعن عليها أمام القضاء، فالحصار يجري بملاحقة مستمرة عبر الهواتف والأوامر التنفيذية، والسعي لنيل الحقوق يتطلب كثيرا من الأموال، والتنازلات، كما يذكر مشاركون في التكريم. 

إمكانات مالية محدودة للنقابة 

تواجه النقابة أزمة مالية، لا تمكنها من صرف إعانات بطالة إلا في حدود 2000 جنيه لعدد قليل من الصحافيين.

يحصل نحو 600 صحافي من بين 15 ألف عضو، منذ سنوات على إعانة البطالة المقررة من الجمعية العمومية، بعد أن فقدوا وظائفهم، بعد اتخاذ قرارات منفردة من قبل أصحاب الصحف بغلقها أو عبر الغلق الإداري بقرارات رسمية وحزبية.

فشلت النقابة في إعادة تسكين الصحافيين المعطلين عن العمل، بصحف أخرى بديلة، بما يدفعهم إلى مسيرات غضب متواصلة على سلم مدخل النقابة، خلال الأيام الماضية، طلبا لإنقاذهم من الفقر المدقع، والأمراض التي أحاطت بهم. 

منع التعيين بالمؤسسات الصحافية الحكومية 

أضافت السلطات حصارا جديدا على الصحافيين، باتخاذ قرار منفرد من الهيئة الوطنية للإعلام، بمنع تعيين صحافيين جدد بالمؤسسات الحكومية، في اتجاه مغاير لما التزمت به عند تأسيسها عام 2014.

أدى التراجع الرسمي إلى حرمان نحو 800 صحافي آخرين من حق التعيين بتلك المؤسسات رغم انقضاء فترة 14 عاما على ممارسة المهنة والحصول على مكافآت رمزية وتقارير من رؤسائهم تشيد بأعمالهم.

يشترط قانون نقابة الصحافيين الحصول على عقد عمل من مؤسسة صحافية لمنحه عضوية نقابة الصحافيين. 

يتبنى مجلس نقابة الصحافيين قضية المؤقتين، معتبرا تقاعس الهيئة الوطنية للإعلام عن توظيفهم رسميا قرارا متعسفا يحرمهم من أبسط حقوق الحق في الحياة والعمل والالتحاق بالمهنة تحت مظلة النقابة، التي تشمل حصولهم على بدل مادي يبلغ 3600 جنيه شهريا بالإضافة إلى رفع رواتبهم وفقا للحد الأدنى الذي تفرضه الدولة على جهات العمل الخاصة والعامة، عند حدود 4000 جنيه للعامل. 

تمتنع الصحف المستقلة والحزبية عن دفع الحد الأدنى للأجور المحددة من قبل الدولة، حيث تبدأ الرواتب بنحو 1500 جنيه، بينما ترفض الصحف الحكومية تنفيذ طلبات النقابة، بدواعي التزاماتها بتعليمات الهيئة الوطنية للإعلام التي ترفض تعيين الصحافيين والإعلاميين بكافة الصحف والتلفزيون والإذاعة.

يشير صحافيون إلى رغبة النظام في تصفية الصحف الحكومية وقطاعي الإذاعة والتلفزيون، لتخفيف النفقات، في إطار خطة واضحة لدمج أجهزة الإعلام الرسمية.

يصف صحافيون تلك الخطط بأنها "الموت البطيء" للمؤسسات الإعلامية، التي بدأت تعاني حالة شيخوخة للعاملين بها، بينما فتحت السلطات قنوات وتدير مواقع وصحفا خاصة، يعمل بها آلاف الصحافيين الجدد، وتنفق عليها مليارات الجنيهات، عبر شركات تابعة للمخابرات، دون أن تظهر النفقات في الموازنة العامة للدولة. 
 

المساهمون