الحرب على "أونروا" تهدّد بكارثة إنسانية في غزة

30 يناير 2024
الأسر الفلسطينية تعيش أوضاعاً معيشية قاسية (بلال خالد/الأناضول)
+ الخط -

بات سكان قطاع غزة في فوهة مجاعة تتسع يوما بعد آخر، بعد أن أعلنت أميركا وعدد من الدول الحرب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ليس فقط عبر وقف التمويل، ولكن وصل الأمر إلى المطالبة بإلغاء دور الوكالة بشكل كامل من جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل عدوانه على القطاع لليوم الـ116 على التوالي.

واللافت، حسب مراقبين، أن استهداف أونروا جاء بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي يتضمن أمراً بإدخال المساعدات لقطاع غزة بشكل فوري، وهو ما لم يحدث، بل فوجئ الرأي العام بالهجوم الشرس من الاحتلال وأميركا وعدد كبير من الدول على "أونروا" بهدف وقف خدماتها الإغاثية والمعيشية وبالتالي تضييق الخناق على سكان غزة.

وتتفاقم الأحوال المالية والمعيشية لدى الأسر الفلسطينية النازحة في مختلف محافظات غزة، بفِعل تبعات الحرب التي يترافق معها حِصار مُشدد، أُغلقت على أثره المعابر المؤدية إلى القطاع، ولا تدخل من معبر رفح الحدودي مع مصر إلا كميات قليلة من المساعدات الغذائية والوقود التي لا تلبي احتياجات سكان القطاع.

وتعمد الاحتلال تدمير كل مصادر الغذاء، الأمر الذي ساهم في شح كبير في السلع الضرورية. وفي ظل انقطاع المساعدات المالية للأسر، التي كان يعتمد عليها ما يزيد على 80% من سكان قطاع غزة قبل بدء الحرب، تدهورت أوضاع الغزيين المعيشية.

وتواجه وكالة "أونروا" أزمة حقيقية متمثلة في إمكانية تعرض خدماتها للتوقف الكامل في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي دون أي أفق في المنظور القريب بتوقفها.

وترتبط الأزمة الحالية التي تعصف بواحدة من أكبر المؤسسات الأممية بمزاعم إسرائيلية متمثلة في مشاركة بعض العاملين فيها في العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو ما دفع بأونروا لوقف عمل الموظفين وفتح تحقيق في الأمر.

علاوة على ذلك، فإن 13 دولة على رأسها أميركا وألمانيا والسويد واليابان وهولندا وسويسرا وكندا علقت التمويل المقدم لصالح أونروا حيث تعتبر هذه الدول من أكبر المانحين للمؤسسة الأممية بنسبة تتراوح ما بين 44% إلى 50% في بعض الأحيان.

ويعرّض توقف التمويل الإضافي المقدم من هذه الدول أونروا لخطر توقف تقديم خدماتها في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، لا سيما مع نزوح قرابة 2 مليون نسمة من منازلهم منذ بداية الحرب إلى جانب الأوضاع المعيشية والإغاثية الصعبة في القطاع.

إلى جانب ذلك، فإن النازحين يتكدسون في الآونة الأخيرة في مدينة رفح أقصى جنوبي القطاع وسط أوضاع كارثية متردية نتيجة تفاقم أعداد النازحين لقرابة 4 أضعاف التعداد الأساسي للمدينة، وتكدس قرابة 1.3 مليون نسمة على مساحة 20% فقط من القطاع.

إلى ذلك، يقول المدير العام للهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي إن الهجمة الحالية هي الأعنف والأقوى على أونروا استنادًا لما جرى خلال السنوات الماضية وهي الأقسى والأشرس في عملية الاستهداف حيث إن قرارات تعليق المساعدات المالية بمثابة عقاب جماعي.

ويؤكد هويدي لـ "العربي الجديد" أن ما جرى هو محاولة لاستخدام مشاركة بعض الموظفين لعقاب 6 ملايين لاجئ فلسطيني (داخل فلسطين وفي الشتات)، دون التأكد من صحة المعلومات المستخدمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي للترويج لها عالمياً على المستوى الدولي لوقف التمويل.

ويشير إلى أن انسياق الدول وراء الرواية الإسرائيلية كان بشكلٍ أعمى وبطريقة مخالفة للقانون الدولي والمبادئ الإنسانية التي يتم الترويج لها، حيث إن في ذلك مخالفة للمعايير الدولية وهو ما يجعل التحرك الغربي مرتبطا باستهداف أونروا كمؤسسة خاصة باللاجئين.

ويلفت هويدي إلى أن التداعيات المتعلقة بتقليص التمويل أو وقفه كبيرة جدًا لا سيما في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وهو أمر سيزيد من الأعباء على الوكالة الدولية خصوصاً وأن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة لكل أنواع المساعدات الإغاثية.

ويشدد على أن القرار مجحف والاحتلال الإسرائيلي هو من يقف وراءه بدعم أميركي، حيث إن هناك ضغطا يمارس على الدول المانحة بهدف تجفيف منابع تمويل أونروا، ضمن مخطط إسرائيلي علني يستهدف شطب المؤسسة الأممية وإخراجها من غزة ثم إنهاء دورها في بقية مناطق العمليات.

في الأثناء، يقول نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" جميل سرحان إن إعلان عدد من الدول تعليق مساعداتها لأونروا استنادًا إلى تقارير استخباراتية إسرائيلية تتهم عاملين في الوكالة بالاشتراك في أحداث 7 أكتوبر 2023، مستهجن ومدان.

ويضيف سرحان لـ"العربي الجديد" أن هذه الدول لم تتحرك إزاء قيام قوات الاحتلال بقتل أكثر من 130 موظفاً من العاملين في وكالة الغوث، وقصف وتدمير أكثر من 140 منشأة تابعة للوكالة، بل تتخذ إجراءات فورية بمنع المساعدات اللازمة لحياة مئات الآلاف من المواطنين، مستندة إلى تقارير إسرائيلية غير موثوقة أو خاضعة لأي فحص من جهة مستقلة.

ووفقًا لنائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن صحت الادعاءات الإسرائيلية، فإن هذا لا يبرر وقف الدعم عن الوكالة التي يعمل بها أكثر من 13 ألف فلسطيني، علاوة عن أن استهداف أونروا جاء بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي يتضمن إدخال المساعدات لقطاع غزة بشكل فوري.

ويعتبر أن ذلك يوحي بوجود أجندة معدة مسبقا وراء هذه المواقف بهدف إضعاف وتصفية الوكالة، كأحد أهم رموز قضية اللاجئين، في الوقت الذي بات الفلسطينيون، خاصة في غزة، التي هي في أمس الحاجة إلى خدماتها، باعتبارها الجهة الوحيدة التي تدير استقبال وتخزين وتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، وبالتالي فإن منع التمويل عنها يشكل خطوة اضافية في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية.

ويرى سرحان أنه من "المؤسف أن تخضع "أونروا" للضغط والابتزاز الإسرائيلي وتتخذ قرارات مستعجلة بفصل الموظفين الذين تدعي إسرائيل مشاركتهم في أحداث السابع من أكتوبر، دون أن تستمع لروايتهم أو تطلع على الظروف التي أدلوا خلالها بهذه الاعترافات، علما أن جميع أسرى قطاع غزة يعتبرون في حكم المختفين قسريا بسبب منع سلطات الاحتلال التواصل معهم أو إعطاء أية معلومات عن أماكن اعتقالهم".

وسبق وأن تعرضت أونروا لأزمات عدة كان من أبرزها ما جرى عام 2017 حينما قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقف تمويل المؤسسة الأممية في سياق "صفقة القرن" وتصفية القضية الفلسطينية، ما دفع بالكثير من الدول العربية لزيادة تمويلها للحفاظ على تقديم خدماتها.

المساهمون