الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن تمتد للأراضي الزراعية

واشنطن قلقة من شراء شركات صينية أراضي زراعية بالقرب من قواعد عسكرية

10 يوليو 2023
مزرعة قمح أميركية في ولاية كولورادو (Getty)
+ الخط -

تبدو واشنطن قلقة من تملّك شركات صينية أراضي زراعية في الولايات المتحدة، خصوصاً تلك التي تقع بالقرب من قواعد حربية في بعض الولايات. وتدخل ملكية الشركات الصينية للمزارع ساحة الصراع الاستراتيجي بين واشنطن وبكين، خاصة أن إدارة جو بايدن تعمل على الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين في الصناعات الرئيسية، مثل الغذاء، وأشباه الموصلات، والمعادن الاستراتيجية التي تعتبر ضرورية لسلسلة التوريد للشركات الأميركية.

وحذّرت لجنة في مجلس النواب الأميركي مؤخراً من خطر وجود الصين في نظام الغذاء، على الأمن القومي للولايات المتحدة. وقد أبدى النواب في مجلس الشيوخ بالفعل اهتماماً بالجهود المبذولة لإبقاء المزارع الأميركية في أيدي الأميركيين وليس الأجانب.

ووفق مصادر، تفحص لجنة من الكونغرس حالياً يرأسها نائب الرئيس الأميركي السابق، الجمهوري مايك بنس، والسيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارين، ملكية الأجانب للأراضي الزراعية في أميركا، وتداعيات هذه الملكية على الأمن الغذائي في أميركا.

تأتي ملكية الصين للأراضي الزراعية، ضمن استراتيجية متكاملة، لتأمين أمنها الغذائي، عبر شراء الأراضي أو تأجيرها في العديد من الدول

في هذا الصدد، قال بنس الشهر الماضي، خلال كلمة ألقاها في مؤسسة "هيريتيدج" الأميركية: "لا يمكن لأميركا أن تسمح للصين بالسيطرة على إمداداتنا الغذائية".

وللتأكيد على الموقف الرسمي المتشدد تجاه الصين، حثّ الرئيس جو بايدن والكونغرس على "إنهاء جميع الإعانات الزراعية للأراضي التي يملكها رعايا أجانب".

وحسب تقرير في هيئة الإذاعة الأميركية في واشنطن، فقد وسعت الشركات الصينية وجودها في الزراعة الأميركية على مدى العقد الماضي، من خلال اقتناص الأراضي الزراعية، عبر شراء المجموعات التجارية الزراعية الكبرى، مثل شركة "سميث فيلد فودز" لتصنيع لحوم الخنازير.

وبحلول بداية عام 2020، سيطر المالكون الصينيون على حوالي 192 ألف فدان زراعي في الولايات المتحدة، بقيمة 1.9 مليار دولار، بما في ذلك الأراضي المستخدمة للزراعة وتربية المواشي والغابات، وفقاً لوزارة الزراعة.

وما يقلق لجنة الكونغرس من كلا الحزبين، الديمقراطي الحاكم والجمهوري المعارض، أنها اكتشفت أن بعض هذه الأراضي قريبة من قواعد عسكرية أميركية.
ورغم أن نسبة الملكية الأجنبية ضئيلة في أميركا، مقارنة بالأراضي الزراعية المملوكة لأجانب، في دول مثل كندا والاتحاد الأوروبي، فإن واشنطن قلقة من الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في الأمن الغذائي الأميركي في المستقبل، خاصة إذا تزايد التوتر بين واشنطن وبكين.

يقدر حجم الأراضي الزراعية التي يملكها الأجانب في أميركا بنحو 900 مليون فدان من إجمالي الأراضي الزراعية الأميركية

ويقدر حجم الأراضي الزراعية التي يملكها الأجانب في أميركا بنحو 900 مليون فدان من إجمالي الأراضي الزراعية الأميركية. لكن الاتجاه إلى زيادة المشتريات واتصالات المشترين المحتملة بالحكومة الصينية هو الذي أثار مخاوف المشرعين الأميركيين.
وبات الأمن الغذائي في السنوات الأخيرة أكبر هاجس للدول الغربية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 والذي هدد تدفق الحبوب الأوكرانية والروسية إلى الأسواق العالمية.

وأظهرت الحرب أن العالم يعاني فعلاً من نقص في إمدادات الغذاء، حيث ارتفعت أسعار الحبوب إلى مستويات قياسية، وأدت إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي، وبالتالي تهديد الاقتصادات الكبرى في أوروبا وأميركا واليابان.

ومعروف أن الولايات المتحدة من الدول التي تعتمد عليها العديد من الدول الرأسمالية في أمن الغذاء وتوفير الحبوب، خاصة الرئيسية، مثل القمح والذرة والشعير.

وذكرت وزارة الزراعة الأميركية في عام 2018، أن الاستثمارات الزراعية الصينية في الدول الأخرى قد نمت أكثر من عشرة أضعاف منذ عام 2009. وقد دعمت الحكومة الصينية نشاط الاستثمار في الزراعة الأجنبية كجزء من خطط التنمية الاقتصادية، بهدف السيطرة على جزء أكبر من سلسلة التوريد الغذائي في أفريقيا وكندا وأوروبا.
على صعيد مخاطر حيازة الصين الأراضي الزراعية على الأمن القومي الأميركي، يحقق مسؤولون حكوميون في عمليات استحواذ كبيرة على الأراضي، بالقرب من قاعدة جوية رئيسية شمال شرق سان فرانسيسكو.

ويقلق المسؤولون من أن المصالح الأجنبية قد تكون وراء مجموعة الاستثمار التي اشترت الأرض القريبة من القاعدة العسكرية، وهي شركة، "فلانري أسوسيتس" والتي تقع حالياً في قلب التحقيقات وأنفقت ما يقرب من مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، لتصبح أكبر مالك للأراضي في مقاطعة سولانو بكاليفورنيا، وفقاً لمسؤولي المقاطعة والسجلات العامة.

يحقق مسؤولون حكوميون في عمليات استحواذ كبيرة على الأراضي، بالقرب من قاعدة جوية رئيسية شمال شرق سان فرانسيسكو

من جانبه، قال محامي يمثل شركة فلانري، إن المواطنين الأميركيين يسيطرون على نسبة 97% من رأس مال الشركة، بينما تأتي نسبة 3% المتبقية من مستثمرين بريطانيين وأيرلنديين.
وقالت شركة فلانري سابقاً إن الأراضي الزراعية "مملوكة لمجموعة من العائلات التي تتطلع إلى تنويع محفظتها من الأسهم إلى الأصول الحقيقية، بما في ذلك الأراضي الزراعية، الواقعة في غرب الولايات المتحدة".

ويحقق مكتب مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي، التابع للقوات الجوية، في مشتريات شركة فلانري الأميركية لما يقرب من 52 ألف فدان، بما في ذلك مزارع حول قاعدة ترافيس الجوية الأميركية، حسب تحليل بصحيفة "وول ستريت جورنال".
ويُظهر تحليل لسجلات الملكية أن المساحات الزراعية التي تمتلكها شركة فلانري موزعة على أكثر من 300 قطعة.

وقالت الشركة في ملفات المحكمة التي تنظر القضية، إنها استثمرت أكثر من 800 مليون دولار في عمليات الاستحواذ الخاصة بها، وأقرت بدفع أسعار تقدر "مضاعفات القيمة السوقية لشراء الأراضي".

في هذا الشأن، قال السيناتور الديمقراطي، جون تيستر: "لا أعلم أننا نعرف على وجه اليقين جميع الأراضي الأجنبية التي يحتمل أن تكون مملوكة لأفراد صينيين، أو أشخاص تسيطر عليهم الحكومة الصينية"، حسب تقرير بهيئة الإذاعة الأميركية في نهاية يونيو/ حزيران الماضي.

وأضاف قائلاً "توجد فجوة في البيانات حول مكان الأراضي المملوكة للصين، وما إذا كانت بالقرب من منشآت عسكرية".

من جانبه، أشار نائب مدير برنامج الصين والزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، كريج سينغلتون، إلى أن: "ما ينقص هنا هو مزيد من المعلومات حول مكان وجود هذه المواقع المحددة، أو مشتريات الأراضي الزراعية على مقربة من القاعدة العسكرية".
وقال إن أحد المخاوف الكبيرة هو إمكانية استخدام معدات الاتصالات الصينية لتعطيل الاتصالات العسكرية الأميركية.

وأضاف أنه يعتقد أنه من الأفضل إيقاف المشتريات الصينية "بدلاً من الانتظار سنوات قبل أن نقرر أن هذه المعدات أو هذه المشتريات تستخدم لأغراض أخرى".

حسب البيانات الرسمية التي نشرتها هيئة الإذاعة الأميركية، يتملك المستثمرون الأجانب حصصاً في أكثر من 35 مليون فدان

من جانبه، قال مدير معهد وهبة للمنافسة الاستراتيجية في مركز ويلسون الأميركي للدراسات الاستراتيجية، مارك كينيدي، إن الحكومة الصينية لديها قوانين تسمح للحكومة بالوصول إلى المعلومات التي يحتفظ بها مواطنوها وشركاتها.

وحسب البيانات الرسمية التي نشرتها هيئة الإذاعة الأميركية التي يوجد مقرها في واشنطن، يتملك المستثمرون الأجانب حصصاً في أكثر من 35 مليون فدان، أي ما يعادل مساحة أكبر من ولاية نيويورك. كما نما إجمالي المساحة المملوكة للأجانب بمعدل 2.3 مليون فدان سنوياً منذ عام 2015، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية.

وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الأميركية التي حصلت عليها هيئة الإذاعة الوطنية الأميركية، أن أكثر من 80% من الأراضي المملوكة للصين تعود لشركة سميث فودز" والملياردير الصيني صنغ وانغ شن، وهما واجهتان للحكومة الصينية.
ويشير محللون إلى أن بكين استخدمت الملياردير صن لشراء أكثر من 100 ألف فدان في ولاية تكساس لمزرعة رياح. لكن المشروع أوقف في نهاية المطاف بموجب قانون الولاية، المصمم لمنع الأجانب من الوصول إلى شبكة تكساس.
وتأتي ملكية الصين للأراضي الزراعية، ضمن استراتيجية متكاملة، لتأمين أمنها الغذائي، عبر شراء الأراضي أو تأجيرها في العديد من الدول، بما في ذلك دول أوروبية مثل فرنسا وأوكرانيا. وتعقد المشتريات في العديد من الدول عبر مبادرة "الحزام والطريق".

المساهمون