التوقعات الاقتصادية العالمية للعام 2024: تفاؤل أممي حذر وتحديات كبيرة

17 مايو 2024
توقعات أممية بنمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.7% عام 2024، 10 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خبراء الأمم المتحدة يتوقعون نموًا اقتصاديًا عالميًا بنسبة 2.7% في 2024 وزيادة طفيفة إلى 2.8% في 2025، معتمدين على تحسن أداء بعض الاقتصادات الكبرى وانخفاض التضخم في بعض البلدان.
- التحديات تشمل ارتفاع أسعار الفائدة، تحديات تحمل الديون، التوترات الجيوسياسية، والظواهر المناخية المتطرفة، مع تأكيد على تدهور التوقعات الاقتصادية لأفريقيا وانخفاض نمو الاستثمار.
- النقاش حول سياسات الفائدة والتضخم يبرز، مع تساؤلات حول تأخر خفض مستوى الفائدة وفعالية استهداف مستوى التضخم عند 2%، وتأثير التغيرات في سعر النفط والصراعات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي.

أعرب خبراء اقتصاديون في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة عن تفاؤلهم الحذر إزاء التوقعات الاقتصادية العالمية على المدى القصير، مشددين في الوقت ذاته على وجود تحديات رئيسية، من ضمنها "استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، والتحديات التي تواجه القدرة على تحمل الديون، واستمرار التوترات الجيوسياسية، وتزايد الظواهر المناخية المتطرفة، الأمر الذي يزيد من المخاطر السلبية ويهدد عقوداً من مكاسب التنمية، لا سيما في البلدان الأقل نموا والدول الجزرية الصغيرة النامية. 

جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقد، مساء الخميس، في مقر الأمم المتحدة الرئيسي في نيويورك بمناسبة إصدارها تقريراً حول التوقعات الاقتصادية العالمية حتى منتصف عام 2024. وقال مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة شانتانو موخيرجي: "نتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.7% في عام 2024، بزيادة بنسبة 0.3 عن توقعات يناير/ كانون الثاني التي كانت 2.4، وللعام 2025 نتوقع زيادة 2.8%، وهي زيادة طفيفة عما توقعناه في وقت سابق".

وعزا المسؤول الأممي هذا التحسن لأداء أفضل من المتوقع في بعض الاقتصادات الكبيرة المتقدمة والناشئة، وانخفاض نسبة التضخم مقارنة بالعام الماضي في بعض البلدان، بالإضافة إلى أن بعض أسواق العمل الضيقة، في الاقتصادات المتقدمة، تشهد ارتفاعاً في الأجور لبعض شرائح السكان، ما يؤدي أيضًا إلى جذب أكبر للقوى العاملة. وأشار أيضاً إلى تجنب الاقتصادات الكبرى الانكماش الحاد، ما أدى إلى انخفاض التضخم دون زيادة البطالة.

من جهته، لفت رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية حامد رشيد إلى أن التحسن في التوقعات الاقتصادية العالمية يأتي بشكل رئيسي بسبب تحسن في أداء بعض الاقتصادات الكبرى على رأسها الولايات المتحدة، حيث تشير أحدث التوقعات إلى نمو بنسبة 2.3% في عام 2024، إضافة إلى التحسن في العديد من الاقتصادات الناشئة الكبيرة، ولا سيما الاتحاد الروسي والبرازيل والهند وبعض دول الاتحاد الأوروبي، كما تسجل التوقعات بالنسبة للصين ارتفاعًا طفيفًا، حيث من المتوقع الآن أن يصل النمو إلى 4.8% في عام 2024.

ويحذر التقرير في الوقت ذاته من "تدهور التوقعات الاقتصادية لأفريقيا منذ الإصدار الأخير، مع انخفاض النمو المتوقع بنسبة 0.2 نقطة مئوية لعام 2024، ما يهدد بنتائج عكسية، ناهيك عن تأثيرها على العديد من فقراء العالم. وفي المتوسط، من المتوقع أن يظل النمو العالمي في السنوات المقبلة أقل من المتوسط البالغ 3.2% خلال الفترة 2010-2019".

وبحسب موخيرجي، فإنه "تم تعديل التحليل وخفض توقعات النمو إلى نحو 3.3% في عام 2024. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص لأن أفريقيا موطن لحوالي 30 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع وما يقرب من 40% من سكان العالم الذين يعانون من نقص التغذية. ثلثا البلدان ذات معدلات التضخم المرتفعة المدرجة في تحديثنا موجودة أيضًا في أفريقيا".

وأضاف "المجال المتاح للحكومات الأفريقية للمناورة آخذ في التقلص، حيث ذهب، في عام 2024، أكثر من ربع الإيرادات العامة في المتوسط في هذه القارة نحو مدفوعات الفائدة. وهذا مرة أخرى يزيد بنحو 10 نقاط مئوية عن المتوسط خلال السنوات التي سبقت النمو مباشرة". وفي ما يتعلق بالدول النامية، قال موخيرجي: "وضع الديون في المتوسط ليس خطيراً إلى هذا الحد، ولكن أحد الأسباب المهمة للقلق الذي كنا ننبه إليه منذ فترة هو أن نمو الاستثمار مستمر في الانخفاض، وربما حتى انخفاض أكثر حدة قليلاً، وفقاً لأحدث الأرقام".

وأشار أيضاً إلى أن التضخم  واحدٌ من أعراض الهشاشة الاقتصادية، وأنه يشكل مصدر قلق في حد ذاته، ولفت إلى استمرار التضخم فوق مستوى 2% في الكثير من الدول كالولايات المتحدة على الرغم من انخفاضه بشكل حاد بنسبة الثلثين تقريبًا عن ذروته، وذكر أن التوقعات بخفض أسعار الفائدة يتم تأجيلها بشكل مستمر، مؤكداً أن "أسعار الفائدة المرتفعة والمستمرة لفترة أطول من التوقعات تترك أثرها، من حيث ارتفاع تكاليف الاقتراض، ولكن أيضًا ارتفاع مخاطر تحقيق الاستدامة في البلدان الأقل جهوزية للاستجابة لها".

تأخر البنك الفيدرالي الأميركي في خفض مستوى الفائدة

ورداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك، حول ما إذا كان مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، قد تأخر في خفض مستوى الفائدة، وما إذا كان تركيزه على ضرورة خفض التضخم في الولايات المتحدة لمستوى 2% مجدياً، في ظل وجود آراء لخبراء اقتصاديين بينهم خبراء في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، مفادها أنّ نسبة الـ2% ربما لم تعد قابلة للتطبيق وربما من الأفضل أن تتبع البلدان نهجا مرناً بنسبة 2.5% إلى 3%، قال موخيرجي إنّ "البنك الفيدرالي يتخذ الخطوات التي يراها مناسبة بالنسبة له، ومن الضروري إدارة توقعات مختلفة بما في ذلك توقعات القطاع الخاص واللاعبين الآخرين... وبمجرد تحديد البنك الفيدرالي لتلك النسبة، فمن الصعب اتخاذ خطوات قد تتعارض مع تلك التوقعات... ورأينا في الماضي تبعات سلبية. ومع ذلك فمن المؤكد أن هناك تأثيرات غير مباشرة".

وأشار إلى أن معدل 2% لمستوى التضخم ليس عالميًا حيث يختار كل بلد عموماً مستوى التضخم الأمثل. وأضاف "أي إشارة قد يعطيها البنك الفيدرالي الأميركي بشأن خفض الفائدة قد تؤدي إلى انفجار التضخم مرة أخرى، وهو ما سيكون ضاراً على المدى الطويل"، وتوقع أنه في حال رأى البنك الفيدرالي، نظرياً، أنه من الأفضل اتباع نهج مرن في ما يخص نسبة التضخم، فمن المتوقع ألا يقوم بذلك قبل أن يتمكن من خفض النسبة لـ2%".

وتابع "لكنني أعتقد أن ما يثير قلق الكثير من الاقتصاديين هو أن هناك عوامل مختلفة تعمل في الخلفية، قد تؤدي إلى دفع التضخم، على سبيل المثال، تحدثنا عن تغير المناخ وكيف يمكن لكوارث تغيره أو حتى الصراعات يمكنها أن تنتقل فجأة إلى الموردين ومن شأنها أن تعطل خطوط الإمداد أو ترفع تكاليف الشحن. كل هذه الأمور تشكل ضغوطا في بقية أنحاء العالم يمكن أن تؤدي إلى رفع التضخم من خلال الآثار الجانبية للإمدادات. إذن يصبح السؤال هنا هل السياسة النقدية هي الأداة الصحيحة حقا لمحاولة ترويض التضخم على هذه الجوانب؟ لذا، علينا أن نفكر بعناية أكبر بهذه الأشياء".

تأثير حرب غزة على اقتصاد المنطقة

ورداً على سؤال آخر لـ"العربي الجديد" حول تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة على اقتصاد المنطقة، قال رشيد: "لا شك أن الصراع في الشرق الأوسط له أثره في المنطقة وخارجها أيضاً، ولكن حتى الآن، بقيت أسعار النفط مستقرة، وإذا اتخذ سعر النفط اتجاهًا مختلفًا بحيث تكون هناك صدمة كبيرة على أسعاره،  فإن ذلك سيؤثر على النمو الاقتصادي في المنطقة وخارجها".

وأضاف "ولكن كما هو الحال في أي سيناريو هناك فائزون وخاسرون، إذ من المحتمل أن يفيد ارتفاع أسعار النفط بعض الاقتصادات المصدرة للنفط في المنطقة، لكنه سيضر بشكل عام بالتعافي الاقتصادي العالمي أو النمو الذي نشهده الآن"، ولفت إلى أن "توقعاتنا الأساسية في الوقت الحالي تستند إلى افتراض أن سعر برميل النفط سيظل عند مستوى 72 دولاراً ، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن ذلك قد يتغير إذا ارتفع السعر مثلا لمئة دولار للبرميل.. لكن حتى الآن ما نلاحظه أن تبعات الصراع بقيت في المنطقة ولم تتأثر بها أسعار النفط عموماً".

وشدد على أن هناك عوامل مجهولة، وفي حال كان هناك "تصعيد إضافي للصراعات في المنطقة، وفي حال تأثرت طرق التجارة الرئيسية بذلك بشكل إضافي، سواء في مضيق هرمز أو في البحر الأحمر، فيمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على الاقتصاد العالمي".

المساهمون