الاقتصاد الصيني يواجة 5 تحديات في الدورة الثالثة لرئاسة شي

الاقتصاد الصيني يواجة 5 تحديات في الدورة الثالثة لرئاسة شي أبرزها مكافحة الفقر

19 أكتوبر 2022
الرئيس شي لدى افتتاحه اجتماعات الحزب الشيوعي في بكين (getty)
+ الخط -

بات شبه مؤكد أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سيفوز بدورة رئاسية ثالثة خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني المنعقد حالياً في بكين.

ويعني ذلك أنه سيحكم البلاد لمدة خمس سنوات أخرى، ليصبح بذلك من أكثر زعماء الصين نفوذاً والأكثر تأثيراً في تشكيل مستقبل الصين الحديث مقارنة بأي زعيم آخر منذ استقلال بلاد التنين عن الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، وحتى ربما أقوى من حيث التأثير من الزعيم ماو تسي تونغ وفق مراقبين.

والرئاسة في النظام السياسي في الصين ليست قاصرة على إدارة شؤون الدولة، ولكنها تعني كذلك رئاسة الحزب الشيوعي. وهناك علاقة وثيقة جدًا بين الحزب والدولة، وغالباً ما ينظر الشعب إلى أنهما مؤسسة واحدة، لكن ماذا ينتظر الاقتصاد الصيني من رئاسة شي في الدورة الثالثة؟

شي سيعمل في هذه الدورة على القضاء على الفقر المدقع في الصين ومعالجة أزمة المناخ، والقضاء على الفساد المالي

وفق مدير برنامج جنوب آسيا بمعهد كوينسي الأميركي للدراسات، مايكل سواين، فإن الدورة الثالثة لزعامة شي ستحكم سيطرته أكثر على مقاليد الحكم وإدارة الاقتصاد، وبالتالي ستطلق يده أكثر لتنفيذ السياسات الاقتصادية التي بدأها خلال السنوات الخمس الماضية.

ويشير سواين في هذا الصدد، إلى أن شي سيعمل في هذه الدورة على القضاء على الفقر المدقع في الصين ومعالجة أزمة المناخ، والقضاء على الفساد المالي، وتنفيذ سياسة القضاء على جائحة كورونا التي باتت من الهواجس الرئيسية للأعمال التجارية في الصين. ويرى محللون أن سياسة "زيرو كوفيد "التي تبناها شي أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي في الصين وحدت من نشاطات قطاع التصنيع بما فيه الصناعات التحويلية.

وبحسب تقرير أصدرته وزارة المالية الصينية في إبريل/ نيسان الماضي، بالاشتراك مع مركز بحوث التنمية بمجلس الدولة الصيني، والبنك الدولي، أنه وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، انتشلت الصين ما يقرب من 800 مليون شخص من براثن الفقر على أساس خط الفقر العالمي البالغ 1.9 دولار يوميا.

وأشار التقرير إلى أن هذا الرقم يمثل حوالي 75 بالمائة من الحد من الفقر العالمي خلال الفترة نفسها.
ويقدر البنك الدولي في تقريره الأخير، أن ينمو الاقتصاد الصيني خلال العام الجاري بنحو 2.8%، وهو أدنى معدل بين دول جنوب شرقي آسيا.
ويقدر حجم الاقتصاد الصيني بنحو 17.46 تريليون دولار في نهاية العام الماضي 2021. وهو بهذا الحجم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، كما يقدر متوسط دخل الفرد السنوي في الصين بنحو 12.339 الف دولار.

يقدر حجم الاقتصاد الصيني بنحو 17.46 تريليون دولار في نهاية العام الماضي 2021. وهو بهذا الحجم ثاني أكبر اقتصاد في العالم

ورغم النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الصين خلال فترة حكم شي، لكن الاقتصاد الصيني يواجه حالياً مجموعة من التحديات.
وحسب معهد لاوي للدراسات في أستراليا، فإن الاقتصاد الصيني، ربما يتمكن من التوسع وأن يصبح أكبر من الاقتصاد الأميركي خلال العام الجاري، ولكن سيظل أقل ازدهاراً وإنتاجاً خلال السنوات المقبلة حتى منتصف القرن الجاري.
ويتوقع معهد الأبحاث، الذي يوجد مقره في سيدني بأستراليا، أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين بشكل حاد إلى نحو 3 في المائة سنوياً في المتوسط حتى العام 2030 ، وربما يستمر نمو الناتج المحلي بنسب تتراوح بين 2 و3 في المائة سنوياً في المتوسط من الآن حتى العام 2050.

لكن مثل هذه التوقعات طويلة الأجل لا يمكن الاعتماد عليها بسبب التغيرات العديدة في استراتيجيات الدول والمناخ الجيوسياسي بالعالم وفق محللين.

موقف
التحديثات الحية

ورغم أن القيادة الصينية بزعامة شي لا تواجه أزمة شرعية مثلما هو الحال بالنسبة لروسيا التي تواجه معارضة شعبية للحرب على أوكرانيا. ويحسب للرئيس شي منذ صعوده إلى السلطة، تحديث البنى التحتية في البلاد وإحداث نقلة تقنية وتوسيع حجم الاقتصاد وزيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة ورفع معدلات الدخل بالنسبة للأفراد. وهذه الإنجازات منحته القبول الشعبي الواسع.
ومن بين الانتقادات التي تواجهها الحكومة الصينية القبضة الحديدية للحزب الشيوعي وسيطرته على الاقتصاد وتشديد رقابته على الثروات وقمعه للتوسع الهائل لشركات التكنولوجيا ومنع اكتتابات بعضها في أسواق المال والرقابة على مالكيها، كما زادت الدولة في عهده من مشاركتها في الشركات الخاصة.
ومن المتوقع أن يعمل الرئيس الصيني في دورته الثالثة على تقليص التفاوت الطبقي وعدم المساواة في الدخل بين الريف والمدن الذي حدث بسبب نمو الثروات الخاصة وزيادة رواتب الكوادر الإدارية والمهنية في الشركات الكبرى على حساب تدهور الدخل في الريف ووسط المزارعين.
وحسب تقرير حديث لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإن أغنى 10 في المائة من سكان الصين باتوا يكسبون في المتوسط 14 مرة أكثر من أفقر 50 في المائة في الريف. وهذا المعدل في تفاوت الدخول أسوأ بكثير من عدم المساواة في العديد من البلدان الأوروبية الرأسمالية، ولكنه أفضل مما هو عليه في الولايات المتحدة والهند.

إلى جانب التفاوت الطبقي والغضب من القبضة الحديدية على الاقتصاد تواجه الصين التهديدات البيئية في المدن الكبرى، وغضب المزارعين من الاستيلاء على الأراضي وأزمات الغذاء وافتقار المواطنين إلى مؤسسة لحماية المستهلك.
وشهدت البلاد تباطؤًا في النمو الاقتصادي بعد نموها السريع المكون من رقمين في أوائل القرن الحادي والعشرين. ويرى محللون وخبراء في الاقتصاد الصيني أن النمو السريع الذي حققته الصين خلال العقد الماضي جاء بتكلفة عالية من حيث التدهور البيئي في البلاد وتراكم الديون.
ويقول تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في هذا الصدد إن القفزة الاقتصادية التي تحققت في العقد الماضي بالبلاد حدثت عبر مراكمة الديون من قبل الشركات والحكومات المحلية والأسر التي استدانت بالدولار بسبب العائد المرتفع في الصين في أعقاب أزمة المال العالمية في العام 2008 مقارنة بالركود الذي ضرب الاقتصادات الغربية.

تواجه الصين في الوقت الراهن أزمات مالية بعضها انفجر وآخر في طريقه للانفجار، على رأسها قطاع العقارات المترنح الذي يمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي

وتواجه الصين في الوقت الراهن أزمات مالية بعضها انفجر وآخر في طريقه للانفجار، على رأسها قطاع العقارات المترنح الذي يمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي في الصين.
على صعيد النمو الاجتماعي تعد الشيخوخة السكانية أكبر هاجس للحكومة الصينية في السنوات المقبلة. ويرى محللون في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن شيخوخة السكان في الصين ستختبر قدرة الحزب الشيوعي على إعالة وتوفير الرعاية الصحية.
وتشير التقديرات الصينية الرسمية إلى أن نسبة المتقاعدين في المجتمع الصيني باتت تمثل نسبة كبيرة من المجتمع. وحسب محللين فإن نسبة المتقاعدين عن العمل يمكن أن ترتفع لأكثر من 40 في المائة من سكان الصين بحلول العام 2050. وهذا الوضع الحرج والمكلف كان وراء قرار الحزب الشيوعي بتوسيع التغطية التأمينية والسماح للأسر بإنجاب ثلاثة أطفال.

على الصعيد الخارجي يواجه الرئيس الصيني في دورته الثالثة كيفية التعامل مع حصار واشنطن وحلفائها لمشروعات "الحزام والطريق"، خاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الأب لمبادرة "الحزام والطريق" قد أطلق عليها "رؤية القرن" لانطلاقة الصين العالمية. ومنذ انطلاق المبادرة، نفذت الصين مشروعات بنى تحتية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
وكانت الصين تأمل تحقيق ثلاثة أهداف من المبادرة، أولها، تعزيز مركزها في النظام العالمي. وتعزيز منافستها للولايات المتحدة وزيادة قوتها التصويتية في الجمعية العامة بالأمم المتحدة في القرارات الاستراتيجية التي تشكل مستقبل العالم عبر كسب حلفاء جدد.
والثالثً، توسيع قاعدة أسواقها العالمية وإيجاد منافذ للبضائع الصينية في الخارج، وكذلك تملك موارد السلع الرئيسية والأراضي الزراعية في دول غير قادرة على تطوير هذه الموارد.

مبادرة الحزام والطريق واجهت ضغوطاً كثيفة من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان التي رأت فيها تهديداً مباشراً لنفوذها التجاري والاقتصادي

لكن في المقابل، فإنّ مبادرة الحزام والطريق واجهت ضغوطاً كثيفة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان التي رأت فيها تهديداً مباشراً لنفوذها التجاري والاقتصادي والسياسي في العالم.
كما يواجه كذلك الضغوط الأميركية على الشركات والمصارف الصينية وحرمانها من جمع تمويلات من الأسواق الدولية، حيث تعاني الشركات الصينية حالياً من صعوبات في الإدراج في بورصات الأوراق المالية الأجنبية أو إصدار السندات الخارجية.

وبالتالي ربما تفقد الشركات الصينية قوة الحصول على تمويلات بسبب ضعف العملة وضعف الحصول على القروض الغربية التي كانت المحرك الرئيسي في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى في الصين وخارجها.

المساهمون