الاحتلال يدك 60% من غزة: حرب الأرض المحروقة

الاحتلال يدك 60% من غزة: حرب الأرض المحروقة

04 ديسمبر 2023
هجمات الاحتلال استهدفت تدمير كلّ مظاهر الحياة في القطاع (بلال خالد/ الأناضول)
+ الخط -

شوارع مدمرة، مبانٍ مهدمة، وخراب في كل مكان، هذا هو المشهد الذي يرويه الواقع عندما تجولت "العربي الجديد" في قطاع غزة الذي دمر الاحتلال 60% من مبانيه خلال نحو شهرين من الحرب القذرة، وهي النسبة تفوق ما خسرته سورية من المساكن في عامها الرابع من الحرب، حسب الأمم المتحدة.
ويخلق الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية، وشبكات الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، مجموعة من الأزمات المُركبة، والتي تُصعِّب الحياة على الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يعيشون يومهم الثامن والخمسين تحت نيران العدوان المُستعرة.
وتسبب القصف الإسرائيلي الشرس والإجرامي، والذي لم يتوقف على القطاع مُنذ 7 أكتوبر، سوى لسبعة أيام شهدت هُدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، بتدمير ما يزيد عن 60% من البنايات، والأبراج السكنية والمدنية، وما حولها من شبكات كهرباء، وشبكات إنترنت، وبنية تحتية، بما فيها من شبكات مياه، وشبكات صرف صحي، حسب بيانات حكومية.

تدمير 300 ألف وحدة سكنية
ارتكب الاحتلال مجازر أدت إلى استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف إصابات مختلفة، ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال، كما دمرت غاراته الجوية ومدفعيته 300 ألف وحدة سكنية، من بينها 50 ألف وحدة بشكل كُلي، وتدمير المدارس، والمساجد، والأسواق، والبلديات، والمؤسسات، والميادين الرمزية.

وإلى جانب القصف المُروع، والذي يتم فيه استخدام صواريخ وقنابل للمرة الأولى، وإلقاء ما يزيد عن 40 ألف طن منها على رؤوس المدنيين، فإن التدمير العام تسبب كذلك بخلق أزمات إضافية أمام حركة المواطنين، سواء في مُحافظتي غزة أو الشمال، اللتين وصفهما الاحتلال الإسرائيلي بأنهما "ساحة حرب" أو في المناطق الوسطى والجنوبية، والتي يدعي أنها "مناطق آمنة".
وتشهد مختلف الشوارع، التي تحول معظمها من مُعَبَد، إلى تُرابي، حالة من الخراب الشديد، بفعل تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف المُفترقات العامة، والتي تتضمن عواميد شبكات الكهرباء سواء الخشبية أو الحديدية، كذلك تتضمن شبكات توزيع المياه إلى الشوارع والبيوت والمباني، التي تؤدي إليها تلك المفترقات.
وصباح الجمعة الماضي، انتهت هدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أنجزت بوساطة قطرية مصرية، واستمرت 7 أيام، جرى خلالها تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية للقطاع الذي يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وفي 7 أكتوبر الماضي، شنت إسرائيل حرباً قذرة على القطاع خلّفت دماراً هائلاً في البنية التحتية، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.

تخريب الشوارع الرئيسية
ويخلق القصف الذي يؤدي إلى تدمير الشوارع الرئيسية، وتفجير خطوط المياه، صعوبة في مرور السيارات، أو حتى الكارات (العربيات) التي تجرها الأحصنة والحمير، والتي بات يعتمد عليها الفلسطينيون في تنقلهم بفعل نفاد الوقود، ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخوله مُنذ بداية الحرب، إلى جانب تحول الشوارع إلى وحل بسبب اختلاط المياه المُتدفقة، بالرمل، والطين، ما يُعيق حتى حركة المارة.
ويقول المتحدث باسم بلدية غزة حُسني مهنا إن العدوان الإسرائيلي تسبب بمآسٍ إنسانية، ودمار كبير، كشفت حجمه الهدنة الإنسانية، بعد تمكن طواقم البلدية خلال الأيام السبعة، من الوصول إلى العديد من المناطق التي كان يصعب الوصول إليها في ظل القصف الإسرائيلي، المُتزامن مع التوغل البري في العديد من المحاور.

ويوضح مهنا لـ "العربي الجديد" أن الدمار الواسع طاول الأحياء السكنية، والمباني المدنية، والمنشآت الخدماتية، والشوارع، والطرق بما تضم من شبكات كهرباء، وماء، وبنية تحتية، وشبكات صرف صحي، علاوة على المعالم الثقافية والرمزية، كالجندي المجهول، ومركز رشاد الشوا الثقافي، والمكتبة المركزية، ومركز إسعاد الطفولة، والعديد من المساجد والبيوت الأثرية القديمة.

سياسة الأرض المحروقة
يُشير مهنا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم خلال العدوان على قطاع غزة سياسة الأرض المحروقة، من خلال استهداف الشوارع الرئيسية بالأحزمة النارية والبراميل المتفجرة، وتدمير الأحياء السكنية بشكل كامل، مثل حي الرمال، ومنطقة المخابرات، والكرامة، وحي تل الهوا، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية بشكل كامل في المناطق المستهدفة، وقد تضررت خطوط المياه، والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، وخطوط تصريف مياه الأمطار، علاوة على تضرر شبكات الطرقات.
ويلفت مهنا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي فاقم من الوضع الإنساني، من خلال استهداف كراج بلدية غزة، والذي يضم آليات البلدية، ما أدى إلى تدمير وتعطل عشرات الآليات المُنهكة أساساً بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ سبعة عشر عاما، والتي كانت تُساعد على إتمام مهام البلدية، بفتح الطرقات، وتصريف مياه الأمطار، ومياه الصرف الصحي، ما أدى إلى نقص حاد في الآليات لتقديم الخدمات.
ويُنبه مهنا إلى أن البلدية اتجهت بفعل حالة التدمير غير المسبوق في الشوارع، والبنية التحتية إلى تقديم الخدمات ولو بالحد الادنى، إلا أنها لم تتلق أي قطرة وقود واحدة خلال فترة الهدنة الإنسانية، والتي كان يُفترض أن تشهد دخول كميات منها للمُساعدة في العمل الميداني للتخفيف من وطأة التدمير في البنية التحتية، وفتح الشوارع لتسهيل مرور سيارات الاسعاف والدفاع المدني، ما بات يٌقوض دور البلدية في تقديم الخدمات الأساسية، والتخفيف من الازمات الإنسانية.

وحذر مهنا من نفاد الوقود وانتشار الأمراض والأوبئة بسبب توقف عمليات الطوارئ والخدمات الأساسية للمواطنين، وخدمات النظافة وتراكم كميات كبيرة من النفايات في المدينة في الشوارع وتسرب مياه الصرف الصحي للبحر وبرك تجميع مياه الأمطار، إلى جانب توقف خدمات إمدادات المياه، والخدمات البيئية المختلفة، خاصة بعد أن قام الاحتلال منذ اليوم الأول للعدوان بقطع إمدادات الكهرباء والمياه عن القطاع، مما أضطر البلدية للاعتماد بشكل كامل على الوقود لتشغيل المرافق الخدماتية وآليات البلدية.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أكد، أنه لا يوجد أي مكان آمن يمكن لسكان قطاع غزة الذهاب إليه، ويعيشون في دائرة موت ودمار ومرض. وأوضح غريفيث في بيان، الجمعة الماضي، أن الأسبوع الأخير أظهر ما يمكن حدوثه "عندما تصمت الأسلحة"، وأن الوضع في خان يونس اليوم هو تذكير صادم لما يحدث عندما لا تصمت (الأسلحة).
وأشار إلى أن جميع سكان غزة على رأسهم الأطفال والنساء والرجال يعيشون في رعب في الشهر الثاني للاشتباكات، مضيفاً: "يعيشون في دائرة موت ودمار ومرض". وشدد على ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية (لقطاع غزة) وتحقيق وقف إطلاق نار إنساني.
ويوم 9 نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 50% من المساكن في غزة دمرت في شهر واحد جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر الماضي. وأشار الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، عبد الله الدردري، آنذاك إلى أن سورية خسرت هذه النسبة من المساكن في عامها الرابع من الحرب.

خسائر باهظة
في الأثناء، يشدد مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت، أن حجم الخسائر كبير جداً، ولا يُمكن حصره في الوقت الحالي، بفعل تواصل العدوان الإسرائيلي على كافة المناطق في قطاع غزة، وانعدام إمكانية تحرُك الطواقم في مُحافظتي غزة والجنوب، كذلك المُحافظات الوسطى، والجنوبية للوقوف على رقم أو نسبة مُعينة للخسائر حتى اللحظة.
ويُبين ثابت لـ "العربي الجديد" أن تعمد الاحتلال استهداف البنية التحتية أدى إلى تخريب وإتلاف في الأعمدة والكوابل، ومحولات التيار، وشبكات الضغط العالي، والضغط المنخفض، وكوابل وعدادات المُشتركين، ما ألحق بها خسائر بملايين الدولارات، لافتا إلى أنه ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، توقف تدفق التيار الكهربائي عبر الخطوط العشرة من الجانب الإسرائيلي، بينما توقفت شبكات التيار الكهربائي بشكل كامل عن العمل بعد أربعة أيام بفعل نفاد الوقود الخاص بتشغيل محطة التوليد.
وبحسب مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء فإنه منذ 11 أكتوبر الماضي، لم يتم تشغيل أي مصدر من مصادر الكهرباء، وانحصر العمل في حصر الأضرار، وإزالة المخاطر من الشوارع العامة، مُحذراً من استمرار غياب التيار الكهربائي عن المرافق الحيوية، وعلى راسها القطاع الصحي، والمستشفيات، والقطاع الخدماتي، والاتصالات، وعلى شبكات المياه، والصرف الصحي، ومحطات معالجة وتحلية المياه، خاصة في ظل نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية، وتوفير طاقة بديلة.

ويُبين ثابت أن الوقود لم يعُد المُشكلة الوحيدة أمام إعادة تشغيل الكهرباء بشكل طبيعي، وإنما بات القطاع الكهربائي بحاجة كذلك إلى إدخال مواد صيانة، والكوابل والأسلاك والمُحولات، والعديد من اللوازم الأساسية، إلى جانب تشغيل الخطوط الإسرائيلية، خاصة في ظل الخسائر الكبيرة التي طاولت الشبكات بفعل القصف الإسرائيلي العنيف. 

وتظهر الأزمة بشكل واضح في الأسواق العامة، والتي تم تدميرها، أو تأثرها من القصف، بفعل تدمير الشوارع المؤدية إليها، إذ تتزايد طبقات الوحل يوماً بعد آخر، بفعل امتزاج مياه الخطوط المتضررة، ومياه الصرف الصحي، بالطين والرمل وحطام البيوت، فيما يزيد من حدة الأزمة حالة الاكتظاظ داخل تلك الأسواق، بحثاً عن المواد الغذائية، والتي تشهد أزمة كبيرة، بفعل الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخولها منذ بداية العدوان.
ويهدف الاحتلال الإسرائيلي إلى جعل قطاع غزة غير صالح للسكن، من خلال كثافة القصف، والقوة التدميرية الهائلة التي استهدفت الشوارع والمفترقات والمرافق الأساسية، والخدماتية، كذلك تدمير وتخريب البُنية التحتية، وشبكات الكهرباء، والمياه، التي تساعد الفلسطينيين في حياتهم اليومية.

المساهمون