الاتفاق التركي الإماراتي جرعة تفاؤل تتحدى الزلزال

الاتفاق التركي الإماراتي جرعة تفاؤل تتحدى الزلزال

13 مارس 2023
اجتماع الوفدين التركي والإماراتي في أنقره في نوفمبر الماضي (getty)
+ الخط -

من ينظر إلى فداحة أرقام الخسائر التركية الناجمة عن الزلزال، يعتقد أنّ الإدارة التركية ستنشغل لوقت طويل بإزالة الآثار المدمرة على الاقتصاد، إذ خلّف الزلزال أكثر من 45 ألف قتيل، وأصاب 250 ألف مبنى تقريباً بأضرار فادحة تستوجب هدمها، وهي الأضرار التي قدرها البنك الدولي أخيراً بما يزيد على 35 مليار دولار، فيما قدّرتها جهات تركية محلية بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يشكل 84 مليار دولار تقريباً.

لكنّ المثير للانتباه، أنه لم يمضِ شهر واحد فقط على الزلزال، حتى وقّعت تركيا والإمارات واحدة من أكبر الاتفاقيات التجارية في تاريخ البلدين، وهي الاتفاقية التي وُصفت بكونها تتويجاً للعلاقات الدافئة بين البلدين في الفترة الأخيرة، والتي ساهمت في تسارع وتيرة التجارة الخارجية بينهما، بخاصة في العام الماضي.

ويمكن القول إنّ كلا البلدين لديه نموذج خاص استطاع أن يحقق من خلاله صعوداً اقتصادياً لافتاً خلال العقدين الأخيرين رغم بعض الصعوبات التي من المعتاد أن تواجه الاقتصادات الناشئة، وبحسب ما تظهره بيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي لكلا البلدين، فقد حققت تركيا معدل نمو 5% في المتوسط خلال السنوات التي أعقبت مطلع الألفية الجديدة، بالإضافة إلى نجاحها في تحقيق طفرة على مستوى الصادرات السلعية التي بلغت 235 مليار دولار بنهاية العام الماضي، علاوة على نجاحها في جذب ما يزيد على 50 مليون سائح بإجمالي عائدات تخطت 40 مليار دولار.

أما الإمارات، فهي دولة عضو في منظمة أوبك بمتوسط إنتاج نفط يومي يتجاوز 3.5 ملايين برميل يومياً، وتأتي خامسة كأكثر دولة لديها احتياطات مؤكدة من النفط الخام بأكثر من 108 مليارات برميل، وتمكنت منذ مطلع الألفية من تنويع اقتصادها، ومن إحداث طفرة في قطاعات الصناعة والسياحة والخدمات والإنشاءات. كذلك، تقع الإمارات على أحد الخطوط الرئيسية لطريق الحرير، وتمتلك أحد أكبر الموانئ حول العالم (ميناء جبل علي) واثنتين من أهم شركات الطيران العالمية (طيران الإمارات، وطيران الاتحاد)، ولا شك في أنّ الإمكانات التركية الإماراتية الكبيرة دعمت المكاسب المتوقعة لكلا الطرفين جراء توقيع الاتفاقية.

ازدهار ملحوظ للتبادل التجاري

تشير بيانات هيئة الإحصاء التركية حول التجارة السلعية غير النفطية مع الإمارات إلى اقتراب الصادرات السلعية نحو الدولة الخليجية في العام الماضي من مستوى 5.5 مليارات دولار، وهو ذات المستوى المسجل للصادرات السلعية التركية في 2021، بينما نمت الواردات التركية من السلع الإماراتية أو القادمة من الإمارات (غير النفطية)، إلى حاجز 4.5 مليارات دولار، مقارنة بـ2.44 مليار دولار في 2021.

وتأكيداً لهذا الازدهار، صرّح وزير الدولة للتجارة الخارجية بالإمارات، ثاني الزيادي، أنّ التجارة الثنائية بين البلدين (صادرات، واردات، إعادة تصدير) بلغت قرابة 19 مليار دولار عام 2022، بمعدل زيادة بلغ 40%، لتكون تركيا الأسرع نمواً بين أهم 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات، كذلك تُعَدّ تركيا الآن سادس أكبر شريك تجاري للإمارات في التجارة غير النفطية.

ويشير هذا التصاعد الملحوظ لأرقام التبادل التجاري بين البلدين إلى تحسن كبير في العلاقات بينهما بصفة عامة، وذلك بعد فترة من الفتور المتبادل على أثر اتهامات غير رسمية بضلوع الإمارات بدور في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل على إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان عام 2016، وكذلك بعد المساندة التركية الداعمة لدولة قطر في أثناء الحصار عليها الذي امتد لعدة سنوات.

مكاسب كبيرة للبلدين من الاتفاقية

وقّع البلدان الاتفاقية التجارية الشاملة بعد إنهاء المناقشات حول الخطوط التفصيلية لها. وبصفة عامة، تحمل الاتفاقية إعفاءات وتحفيزات ضريبية كبيرة، في تجارتهما البينية، إذ تتضمن خفضاً بنسبة 82% من الرسوم الجمركية بين البلدين، الأمر الذي سيفيد أنقرة كثيراً، بصفتها مصدّراً رئيسياً للسلع إلى الإمارات.

وطبقاً لوزير التجارة الخارجية الإماراتي، من المتوقع أن ينتج من الاتفاقية 25 ألف فرصة عمل على الأقل في الإمارات، وأكثر من 100 ألف فرصة عمل في تركيا، ومن المتوقع كذلك زيادة حجم التجارة الثنائية بأكثر من الضعفين إلى 40 - 45 مليار دولار، في غضون السنوات الخمس المقبلة، ولا سيما في ظل تسهيلها الوصول إلى أسواق جديدة للشركات في كلا البلدين وتعزيز قدراتهما التنافسية.

وعلى الرغم من تركيز الاتفاقية على القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا الزراعية والأمن الغذائي والطاقة النظيفة، بالإضافة إلى مشاريع البناء والعقارات، أشارت التصريحات الرسمية إلى إمكانات هائلة للعديد من القطاعات، مثل الأمن الغذائي والصحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقطاع المالي والخدمات اللوجستية، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في تصريح الوزير الإماراتي لوكالة الأناضول بأنّ "العلاقات الاقتصادية مع تركيا هائلة وحدودها السماء".

إمكانات وخبرات تبشر بنجاح الاتفاقية

لا شك في أنّ كلتا الدولتين تمتلك إمكانات وخبرات كبيرة في مجالات متنوعة، فيما دمج الاتفاقية للتعاون في تلك المجالات سيدفع الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما. فعلى سبيل المثال، تمتلك تركيا خبرة طويلة ونجاحات مشهودة في دمج التكنولوجيا في القطاع الزراعي، وهو أحد القطاعات الرئيسية التي تركز عليها دولة الإمارات لتنويع اقتصادها.

كذلك، تمتلك الإمارات شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، العاملة في خمس قارات وأكثر من 30 بلداً، فيما تحولت تركيا إلى واحدة من أكثر دول مجموعة العشرين إنتاجاً للطاقة الكهربائية النظيفة، وبإمكان الشراكة بينهما أن تستحدث نموذجاً أكثر تنافسية على المستوى العالمي من خلال خفض تكلفة الإنتاج ورفع كفاءته.

هذا بالإضافة إلى حاجة تركيا للفوائض المالية الإماراتية الباحثة عن البيئة الآمنة للاستثمار، وهو الأمر الذي تجلى في شراء الإمارات لبنك دينيز التركي في عام 2018، وتبعته اتفاقية مقايضة عملات بقيمة 4.9 مليارات دولار مع تركيا العام الماضي، كذلك تعهدت الإمارات باستثمارات بمليارات الدولارات في تركيا من خلال كيانات تابعة للحكومة.

وبغضّ النظر عن التفاصيل الكثيرة للمكاسب المشتركة لكلا البلدين جراء توقيع الاتفاقية، تعبّر الشراكات بين الدول الإسلامية عن طموحات وآمال شعبية طال انتظارها، ولا سيما بين تلك الدول التي تمتلك إمكانات وخبرات يمكن الاستفادة المتبادلة منها، وهو الأمر الذي يدفع، ليس فقط نحو دعم هذه الاتفاقية وتشجيعها، بل كذلك نحو تشجيع بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط نحو تلك الشراكات الاقتصادية التي لا شك ستتساقط ثمارها على الشعوب.

المساهمون