استحواذ تليفونيكا.. نافذة استثمار للصندوق السيادي السعودي

26 نوفمبر 2023
تسعى السعودية إلى توسيع قاعدة الاستثمارات (Getty)
+ الخط -

سلّطت صفقة شراء شركة الاتصالات السعودية لـ569.3 مليون سهم في شركة "تليفونيكا" الإسبانية للاتصالات، الضوء على المستهدف الاقتصادي والاستراتيجي لتدفق الاستثمارات السعودية خارجياً، في ظل إعلان السعودية، هذا العام، عن استثمارات تزيد عن 9 مليارات دولار في قطاع التكنولوجيا.

وتتوزع الصفقة بين 4.9% من أسهم الشركة الإسبانية وبين أدوات مالية تمنح مشغل الاتصالات بالسعودية 5% أخرى، لتصل حصة شركة الاتصالات السعودية إلى 9.9% من "تليفونيكا"، وتصبح بذلك أكبر مساهم في شركة الاتصالات الإسبانية، بحسب بيانات الشركة السعودية.

ودفع هذا التوزيع الحكومة الإسبانية إلى دراسة شراء حصة في "تليفونيكا"، بعدما عكفت على تحليل خطة شركة الاتصالات السعودية، التي يسيطر عليها صندوق الاستثمارات العامة السعودي (السيادي)، وطلبت منها الحصول على موافقة خاصة لمثل هذه المساهمة الكبيرة؛ لأن "تليفونيكا" مزوّد رئيسي للجيش ووزارة الدفاع الإسبانية، وفقا لما أوردته وكالة "بلومبيرغ".

ونقلت صحيفة إلـ"إيكونوميستا" الإسبانية، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن مصادر مطلعة، أن شركة الاتصالات السعودية ربما تبقي على حصتها الحالية في "تليفونيكا" البالغة 4.9% دون تغيير، في ظل عمليات التدقيق الإسبانية المشددة.

وامتنعت "تليفونيكا" وشركة الاتصالات السعودية عن التعليق على التقرير، كما لم تعلق عليه الحكومة الإسبانية أيضًا، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

وقدم السجال الإسباني السعودي حول الصفقة مؤشرا على أهميتها، خاصة في ظل الاهتمام الخاص الذي يوليه صندوق الاستثمارات العامة لقطاع الاتصالات والتكنولوجيا.

أسواق واعدة

ويشير الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن هدف السعودية من الاستحواذ على ما يقارب 10% من "تليفونيكا" هو التوسع أوروبياً، والاستفادة من الفرص الحالية في اقتصاديات القارة العجوز، خاصة أنها تضم عديد البلدان المتقدمة في عالم التكنولوجيا مقارنة بدول الشرق الأوسط.

ويضيف العساف أن دول الغرب الأوروبي تحديدا عريقة في مجالات التقنية، ولديها خبرات واسعة في عدة مجالات أخرى، يحتاجها الاقتصاد السعودي، فضلا عن كونها تمثل أسواقا كبيرة جدا، واقتصادياتها تعاني حاليا من مشاكل كثيرة، سواء من ناحية ارتفاع أسعار الفائدة أو حالة عدم اليقين المستمرة جراء استمرار المخاطر الجيوسياسية والحروب.

 كما تمر عديد الاقتصاديات الأوروبية، وفق العساف، بالركود التضخمي، ولديها مشاكل كثيرة تتعلق بتسريح العمالة لارتفاع الأجور، وانكماش الأرباح، وكلها عوامل تؤدي إلى أن تجعل فرصة الاستثمار في هذه الدول واعدة.

ولذا يتوقع العساف أن الاستحواذ الخاص بـ "تليفونيكا" لن يكون الأخير، مشيرا إلى اتجاه المملكة العربية السعودية تحديدا إلى التوسع في فتح أسواق جديدة خلال الفترة الماضية، بهدف تكبير محفظة الاستثمار في أماكن متقدمة أو أسواق تحقق أرباحا متوقعة مستقبلا.

استثمار مضمون

ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة السعودية بالاستحواذ على نسبة من "تليفونيكا" تعد خطوة على طريق توسيع الاستحواذات الأوروبية عبر البورصات وشراء الأسهم، مشيرا إلى أهمية قطاع الاتصالات في هذا الإطار، باعتباره مستهدفا استثماريا مضمونا إلى حد بعيد.

فقطاع الاتصالات عموما رابح، ولا يكون ضمن القطاعات الخاسرة إلا نادرا، ما يعني مساعدة الشركة الإسبانية في عملية التطوير عبر تمويل كبير من جانب، وضمان عوائد استثمارية للسعودية من جانب آخر، بحسب الناير.

ويشير الناير، في هذا الصدد، إلى أهمية هكذا استثمار في تطوير البنية التحتية للشركة الإسبانية، موضحا أن عملية شراء حصة "تليفونيكا" تمت عبر البورصة، من خلال نقل الأسهم من ملكية الشركة الإسبانية إلى الملكية السعودية. لكن شركة الاتصالات السعودية بما لها من تابعية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي (السيادي)، بنسبة تفوق 60%، قادرة على إيجاد التمويل اللازم لهذه الشركة وتطويرها.

ومن شأن هذا التطوير، عبر ضخ استثمارات سعودية بأي صيغة من صيغ التمويل، أن تصبح "تليفونيكا" من الشركات التي يشار إليها بالبنان في أوروبا، بما يعظم من عوائد الصندوق السيادي السعودي في نهاية المطاف، حسبما يرى الناير.

ويلفت الخبير الاقتصادي، في هذا الصدد، إلى أن أغلب تكاليف قطاع الاتصالات هي فقط تكاليف البنية التحتية، وبالتالي فإن عائدات الاستثمار فيه تقدر فقط بقياس تكاليف التشغيل، ما يجعل هذا النوع من الاستثمار "واعدا" بالنسبة للمملكة العربية السعودية. 

كما يصبّ هكذا استثمار في خطط المملكة لتنويع روافد إيراداتها، بعيدا عن أحادية الاعتماد على إيرادات النفط، وهو ما يستهدفه الصندوق السيادي السعودي، عبر ضخ استثمارات لا تكون فقط داخل المملكة، بل تمتد إلى خارجها، بحسب الناير.

ويقترح الناير تركيز استثمارات الصندوق السيادي السعودي، وصناديق دول الخليج العربية بوجه عام، على الدول العربية، باعتبار أن هناك "تقلبات مستقبلية" محتملة في ضوء المخاطر الجيوسياسية المفاجئة، التي كشفت وجهها بالحرب في كل من أوكرانيا وقطاع غزة.

فمن شأن هكذا تركيز حفظ الاستثمارات الخليجية من أي تقلبات تحصل على مستوى العالم، بحسب الناير، الذي ينوه إلى التقلبات المعروفة في البورصات العالمية، والتي قد تتسبب في تراجعات مفاجئة في أسعار الأسهم بصورة كبيرة، ولذا "لا بد من الاحتياط والحذر في ضخ الاستثمارات، عبر نسب معقولة، والتركيز على الاستثمار داخل الوطن العربي" حسب رأيه.

المساهمون