المهرجانات الأدبية الجزائرية: إجازة طويلة

المهرجانات الأدبية الجزائرية: إجازة طويلة

21 أكتوبر 2014
لـ حمزة بونوا / الجزائر
+ الخط -

على قلّتها، كانت الملتقيات والمهرجانات الأدبية في الجزائر تساهم في تكريس الأسماء، وصناعة وعي أدبي جديد في البلد. أما اليوم، فهي لا تتعدّى أن تكون تجمعاتٍ عابرة، تتقدّم على حسابها المهرجانات الفنية التي فاق عددها 140 مهرجاناً معتمداً من وزارة الثقافة، ما بين محلي ووطني ودولي، في وقت لا يحضر فيه أي مهرجان أدبيّ لافت تعدّه وتحضره النخبة الأدبية التي أصبحت لا تتنفس إلا من خلال الملتقيات التي تدعى إليها في الخارج.

هذا الوضع الذي يطرح علامات استفهام كثيرة، ذهب بمجموعة من كتاب الجزائر إلى مطالبة وزيرة الثقافة الجديدة نادية لعبيدي، في جلسات التشاور التي عقدتها مع المثقفين بعد تعيينها في أيار/ مايو الماضي، باعتماد ملتقيات جادة للشعر والقصة والرواية والنقد والترجمة، تجمع شتاتهم، وتمنحهم فرصة للقاء وتبادل التجارب.

ويبدو أن الوزيرة بدأت تستجيب لتلك المطالب، من خلال إطلاق مهرجان دولي للشعر. وحسب ما صرح به مصدر من الوزارة لـ"العربي الجديد"، فإنه من المنتظر تحقيق رغبة قطاع واسع من الكتاب، عبر إحياء ملتقيات مؤثرة توقف نشاطها، مثل ملتقى "المدينة والإبداع" في مدينة عنابة، و"الأيام الأدبية" في مدينة العلمة، وملتقى "الإبداع الأدبي المعاصر" في مدينة الجلفة، و"مهرجان القصة القصيرة" في مدينة سعيدة.

الناقد مخلوف عامر، أحد منظمي "مهرجان القصة القصيرة" في مدينة سعيدة (غرب الجزائر)، يقول إن المهرجان المتوقف كان يستقطب نخبة السرد القصصي في الجزائر والوطن العربي، وقد شكّل منبراً لبروز وجوه أصبحت تمثل الكتابة القصصية الجزائرية في ما بعد. المهرجان، بحسب عامر، يتكامل مع ملتقيات موازية له، مثل "الأدب والثورة" في مدينة سكيكدة، و"ملتقى الرواية" في قسنطينة، و"ملتقى النقد" في وهران.

يرجع عامر تلك الحركية التي عرفها المهرجان والملتقيات الموازية له إلى جدية الهيئات التي كانت تتولى التفكير والتنظيم، ومنها "اتحاد الكتاب" الذي كان مظلة لجميع الحساسيات. وينوه عامر، في هذا السياق، بعدد من الأسماء العربية التي مرت على منصته، منها عز الدين المناصرة، ونبيل سليمان، والطيب تيزيني، وحسين مروة. "لكن مع ظهور التعددية بعد 1988، صارت المسألة الثقافية في آخر اهتمامات الناس، ليحتل الخطاب السياسي صدارة الأحداث، قبل أن يتحوَّل هذا الخطاب إلى ثقافة الدم، فتنسدّ كل أبواب التنوير الثقافي والفكري".

في حديثه مع "العربي الجديد" حول غياب مشاريع ثقافية وأدبية جدية في البلاد، يعود الناقد والقاص قلولي بن ساعد إلى السنة التي قدّم فيها القاص وعالم الاجتماع الراحل عمار بلحسن (1953 ـ 1993) مدونة مشروع ثقافي وطني، بوصفه عضواً في "المجلس الوطني للثقافة والفنون"، لكنه ذهب أدراج الرياح بتغيير الحكومة: "أتصور أن القضية أبعد من أن ننتظر من المؤسسات الثقافية الرسمية شيئاً أو نراهن عليها في ظل غياب مشروع مثيل".

في المقابل، يرى قلولي أن الحل يكمن في التوجه لإنشاء جمعيات ثقافية مدنية تضفي نوعاً من الجدية على المشهد الثقافي، بدل الاعتماد على المؤسسات الثقافية الرسمية "التي لها أجندتها ومسلمّاتها وسياسة عملها، ولا تقبل بأي اختراق لمفاهيم الثقافة النمطية التي أنشأتها السلطة لتسهيل مراقبتها وتوجيه مساراتها بما يحول دون الوعي الصادم للمثقف الخارج عن السرب".

ولفهم طغيان الملتقيات الأكاديمية في "جامعة بجاية"، على الملتقيات الأدبية التي تعنى بالإبداع الأدبي، التقت "العربي الجديد" بأستاذ النقد المعاصر في الجامعة، لونيس بن علي. يشير الأخير إلى أنّ ما يقال داخل قاعات المحاضرات من نقاشات مختلف تماماً عمّا يحدث في أعماق الواقع الجزائري، "حتى أنه بات صعباً علينا أن نجيب عن أسئلة من قبيل؛ هل نعرف حق المعرفة سوسيولوجيا وسيكولوجيا الجزائر؟ هل نعرف خصوصياتنا البيئية وعلاقتها بالعامل الاقتصادي مثلاً؟ هل نعرف خصوصية الذوق الجزائري؟"؛ أسئلة كثيرة تتعلق بنا، وبتراثنا، وبهواجسنا، لا تقترب منها هذه الملتقيات، وهو ما يجسّد سلبية المثقف في السنوات الأخيرة".

من جهته، يرجع الكاتب رشيد فيلالي ما اعتبرها لونيس بن علي سلبية لدى المثقف الجزائري، إلى التغييرات التي حصلت في بنيات التواصل، ومنها تحوله إلى افتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت تقدّم نفسها بديلاً عن الملتقيات باعتبارها بنية سيتجاوزها الزمن قريباً. يقول فيلالي: "علينا الإقرار بأن لهذه المواقع دوراً في تحريك الراكد والمساهمة في تنشيط الحركة الأدبية على نطاق أوسع". ويضيف: "إننا نستطيع عبر الفيسبوك التواصل مع أوسع جمهور ممكن، في حين نجد ذلك مستحيلاً في الواقع".

طرْح فيلالي وجد له من يتبناه من الجيل الجديد للكتاب، ومنهم الروائي أحمد طيباوي، الحائز عام 2013 على المرتبة الثالثة في "جائزة الطيب صالح"، والذي يربط حضور ملتقى أدبي بإهدار الوقت، في ظل الاختزال الذي تتيحه الوسائط الجديدة في المسافة والزمن. غير أن طيباوي ينبه إلى أن اختفاء كثير من الملتقيات لا يعني أن المشهد الجزائري بات "إلكترونياً".. "بل علينا قراءة ذلك في إطار مختلف".

المساهمون