المثاليّتان: صورتان متناقضتان للمرأة التركية

المثاليّتان: صورتان متناقضتان للمرأة التركية

20 ديسمبر 2014
+ الخط -

صحيح أن المخرج التركي الشاب رامين ماتان، يسير، في شريطه "المثاليتان"، على خطى الحراك السينمائي المحتفي بالمرأة وقضاياها، إلا أنه وجد سياقاً جمالياً جديداً لتقديم القضية ومعالجتها، محاولاً الابتعاد عن النمطية التي حصرتها في أدوار نسائية معهودة ومستهلكة.

يقوم المقترح السردي في شريط ماتان، الذي شارك في دورة هذا العام من "مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط"، على قصة علاقة متصدّعة بين أختين، لالي وياسمين، تقرران قضاء عطلة الصيف في منزل جدتهما في منتجع على بحر إيجة، بعد سنوات خمس لم تتواصلا فيها بشكل جيد. لا يقدّم سيناريو الفيلم أسباباً لالتقاء الأختين المفاجئ، ولا لقرارهما السفر وقضاء العطلة سوياً. هكذا، تصلان إلى وجهتهما وتزول حالة البرود بينهما ببطء.

ومند البداية، سيظهر الاختلاف الكبير بين طباعهما؛ فياسمين ظهرت نموذجاً لـ"المرأة المتحررة"، التي تمارس التمارين الرياضية صباحاً، وتقوم بأعمال في المطبخ، وترتدي ملابس السباحة على الشاطئ، بينما تحتمي لالي بنظاراتها الشمسية السوداء وبستار من الخجل وملابس مبالغة في الاحتشام، وتأخذ الحذر في علاقتها بمحيطها وأختها. رغم هذه الفروق، ستأخذ علاقتهما، شيئاً فشيئاً، مجراها الطبيعي، إلى حين ظهور جارهما كريم، الذي يقترب كثيراً من لالي. وأثناء عشاء الأختين معه، ستعود بوادر الجمود بينهما، لتخوضا في حديث مقلق مليء بالحجج والتبطينات التي أعادتهما إلى حالة التوتر ذاتها التي عاشتاها قبل الرحلة.

يقدم الفيلم رؤية هادئة لموضوعه، وتترك بنيته التقنية انطباعاً فنياً جيداً، بفضل اللغة البصرية التي استطاع ماتان تشكيلها. يمكن الحديث هنا عن حركة الكاميرا، التي تتكرر كثيراً في الأمكنة نفسها، لكن بكوادر وزوايا وقياسات مختلفة، ما أبعد السرد البصري عن الجمود والتكرار. تضاف إلى ذلك قدرة المخرج على بناء جوّ يحاكي القلق الذي تعيشه الشخصيتان، من خلال لقطات للرياح وهيجان البحر، وأصوات كل منهما، التي رافقتها موسيقى تصويرية ملأت فراغ الحوارات التي ندرت في بداية الشريط.

رغم ذلك، ورغم نجاح الشريط في بناء وتطوير شخصيتين سينمائيتين ونموذجين مختلفين للمرأة التركية، فإنه ظل تائهاً على مستوى تطوّر الحكاية نفسها، والتعبير عنها. فالأحداث تسير نحو النهاية من دون أن تقول شيئاً مهماً، ومن دون أن يبرّر المخرج سبب عزله أختين في منزل صيفي. صحيح أن العلاقة بينهما تحسنت، أمام الكاميرا، عما كانت عليه في السابق، وأن تطورات درامية خفيفة قد حصلت، مثل تراجع لالي عن بعض طباعها وتأثرها بأختها وتبنيها لبعض من أفكارها المتحررة؛ غير أن المعالجة السردية ظلت غير كاشفة للمضمون الحقيقي للقصة، واضعة أمامنا طبقات مهدورة من المعاني من دون أن تحسن الربط بين العلاقات وزيادة توترها عبر عقدة مناسبة لقصة من هذا النوع.

إقحام رجل في نهاية القصة أعطاها حيويتها المفقودة، ولكنه ورّطها من جديد في حالة الخرس التي عرفتها سابقاً. الجديد أن الرجل كان سبباً في إعادة إحياء علاقة متوترة فقط، ولكن ذلك بدّد عنصر التميز الذي رفعته القصة بتناول قضية جديدة عن المرأة معزولة عن سياقات نمطية من ضمنها حضور الرجل. هذه الهفوات تعود أساساً لعدم إيجاد رامين ماتان وكاتبة السيناريو (أمينة يلدروم) وسائل فنية في السيناريو لملء الفجوات في قصة الفيلم وعلاقات شخصياته.

بقليل من العمل على الترابط الحكائي للقصة، كان الفيلم سيأتي في صيغة أكثر تماسكاً، بما يضاف إلى جانبه التقني العالي، الذي تفوق على مضمون الفيلم ورسالته. رغم ذلك، يبقى أن هذه اللغة الفنية كشفت عن مخرج بخلفية فنية جيدة، يحاول إضاءة مساحات جديدة في السينما التركية المعاصرة.

دلالات

المساهمون