"ميسي بغداد".. سينما للآخرين

"ميسي بغداد".. سينما للآخرين

27 نوفمبر 2014
+ الخط -

يثير فيلم المخرج العراقي سهيم عمر خليفة، "ميسي بغداد" (2013، 17 د)، عدداً من الأسئلة حول ارتباطات السينما بالواقع الذي تحاكيه أو تدّعي محاكاته. الفيلم الذي حصد جوائز في عدة مهرجانات حول العالم، يشكل نموذجاً خاصاً لمنتج ثقافي يكثر هذه الأيام، يحاول نقل مآسي بلد أنهكته الحرب إلى العالم. لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، كيف يفعل الفيلم ذلك؟

يروي "ميسي بغداد"، الذي ينافس في نسخة "الأوسكار" المقبلة (تنطلق في شباط/ فبراير من العام المقبل) على جائزة أفضل فيلم قصير، حكاية طفل عراقي بساق واحدة (حمودي)، يلقب بـ "ميسّي"، لولعه بنجم كرة القدم العالمي. يمنعه أصدقاؤه من لعب كرة القدم معهم بسبب إعاقته التي تحول دون حراسة مرماهم، ويستيعضون عنه بفتاة.

علاقته الثانية، والأخيرة، مع عالم كرة القدم وبطله، هو التلفزيون الذي يتابع المباريات بواسطته. لكن التلفزيون يصاب بعطل، فيذهب مع والده إلى بغداد لإصلاحه، إلا أن رصاصة طائشة تصيب الأب وهو يمشي مع ابنه في شوارع العاصمة العراقية.

يعود الطفل وحيداً إلى البيت مع التلفاز، ويجتمع أصدقاؤه في منزله لحضور مباراة نهائية. وعند إصرار أمه على معرفة سبب عدم عودة الأب معه ذلك المساء، يخبرها الطفل بأن جثته ستُحضر في اليوم التالي إلى المنزل، ثم يبكي، وسط فرحة أصدقائه بهدف لفريق برشلونة الذي يشجعونه!

بدءاً من عنوان شريطه، يحاول خليفة تقديم بطله كدالّ على حال مدينة. هي مدينة فقدت ساقها، ولم تعد تستطيع الوقوف. بين ولع الطفل بكرة القدم، وبين واقع بغداد القاسي، تتنقل كاميرا المخرج من مكامن الفقر في البيوت المترامية في الصحراء المقفرة، إلى العاصمة التي لا تنبعث منها سوى رائحة الموت، راسماً بذلك صورة لا ينفصل فيها الخاص عن العام، ولا المتخيل عن الحقيقي.

فالطفل ساقه مقطوعة فعلاً، وبغداد ليست أفضل حالاً مما قدمت في الفيلم. يبني المخرج العراقي الكردي فيلمه بالاعتماد على قصة إنسانية، راصداً فيها حالة الفرح في زمن الحرب. غير أن تلقّي هذه الحالة يواجه عوائق عدة مرتبطة بلغة الفيلم وتقنياته في التعامل معها.

الحديث هنا عن مادة الفيلم الأساسية، السيناريو، وعن طريقة معالجته صورياً. إذ تبدو القصة في شريط خليفة هشة، تعتري مفاصلها وعقدها السردية فجوات لا يمكن تبريرها بكون الفيلم قصيراً. هشاشة الأداء والمشاكل في ربط الأحداث والمشاهد زادا على مشاكل السيناريو هذه، وأوقعا الشريط في هوة المباشرة والتكرار.

كذلك، لم يسهم الحوار في إغناء الشخصيات أو الدلالة على ملامح كل منها، بل بدا استعمالياً ذا وظيفة واحدة تختصر في اصطناع الحدث ومحاولة تبريره. بكلمة أخرى، لم يزد عن كونه مجرد كلام.

إن اقتصار "ميسي بغداد" على حكاية عمومية دون البحث عن ملامح للشخصيات وأفعالها، أو عن معالجة حقيقية للمادة الأولية، أبعد الفيلم حتى عن التأثير العاطفي الذي يبدو أنه سعى إليه كأداة لمخاطبة المشاهد. وعلى أي حال، فإن توظيف الموسيقى وتفاصيل أخرى في الفيلم، كعلاقة الطفل بأبيه ورحلتهما سوياً إلى المدينة، حيث يحمل الأب التلفاز على ظهره؛ يشير بجلاء إلى محاكاة ركيكة لما يقدّم في أفلام عدد من المخرجين الإيرانيين، كمجيد مجيدي، الذي تمتاز أشرطته، في المقام الأول، بسيناريو محكم البناء.

غير أن السؤال الذي تطرحه حالة "ميسي بغداد"، يبقى حول أسباب الاحتفاء بعمل مثله، يفتقد، رغم جمالية صورته، إلى كثير من العناصر ليوصف بـ "فيلم جيد". هل لأن "الآخرين"، الذي يحتفون به، يحبذون لغة الشفقة التي يقترحها؟ على أي حال، يبقى هذا السؤال وجوابه أكثر تعقيداً من ذلك، إذ تتشابك فيهما معطيات منشأها ثقافي، إلا أن ناظمها العام سياسي، وتاريخي، وأخلاقي كذلك.

المساهمون