هكذا أودعوا سميح القاسم جبل حيدر

هكذا أودعوا سميح القاسم جبل حيدر

21 اغسطس 2014
+ الخط -

كأنما هي لوحة فسيفساء استجمعت نفسها اليوم في وداع سميح القاسم. أطياف وألوان النسيج الفلسطيني عبرت كل أشكال التقسيم والعزل إلى قرية الرامة في الجليل، المقابلة لجبل الجرمق، لتشييع الشاعر الذي رحل مساء يوم الثلاثاء الماضي 19 آب/ أغسطس عن 75 عاماً ومثل عددها كتباً.

جنازة الشاعر مختلفة، ولا أحد يستطيع رثاءه مثلما فعل بنفسه، فصاحب الكلمات المسجّى في تابوت خشبي كان مركز الحدث. وقصيدة "كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه" رافقت المشيعين بصوت عالٍ أثناء التأبين، ولقد طاف جثمان القاسم من "بيت الشعب" الى ساحة ملعب كرة القدم حيث تم تأبينه والصلاة عليه.

ترك القاسم إنتاجاً واسعاً ومتنوعاً، أساسه الشعر، ولكنه أنتج أيضاً في الرواية والمسرح والمقالة والترجمة فأورث قرأه أكثر من سبعين كتاباً، آخرها كان سيرته الذاتية "إنها مجرد منفضة" التي صدرت في نهاية عام 2011 عن دار "راية" في حيفا، وكتبها بعد أن اكتشف إصابته بمرض السرطان أيامها.

عند سفح "جبل حيدر" في قرية الرامة رقد جثمان سميح القاسم، على قطعة أرض يملكها وكان خصصها لمماته منذ سنوات، ليشرف ويتابع أمور الدنيا كما في حياته.

صورة القاسم ترحب بك في مدخل قرية الرامة، وعلّقت صوره على جدران بيوت عديدة من القرية. الآلاف وصلوا لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة: سياسيون محلّيون وكتّاب وموكب يمثّل السلطة الفلسطينية وموكب جماهيري من الجولان السوري المحتل دخل مع الاعلام السورية وطاف ساحة المعلب مردداً رثاء جنائزياً.

وما بدا لافتاً في الجنازة هو العدد الكبير من رجال الدين من مختلف الطوائف؛ فإلى جانب رجال الدين الدروز الذين أقاموا الصلاة على الراحل، حضر عدد كبير من رجال الدين، المسلمين والمسيحيين. مشهد لا يتكرر كثيراً في الجنازات.

قرية الرامة أعلنت الحداد لمراسم الجنازة و"لجنة المتابعة للجماهير العربية" طالبت "المجالس العربية" في "السلطات المحلية" بالحداد لساعة واحدة خلال تشييع جثمان القاسم. العلم الفلسطيني رافق الموكب الجنائري كما كان في استقبال المشيعين عند وصولهم إلى الرامة.

لم يغب الشاعر محمود درويش عن موكب الجنازة، إذ ذكر "نصف البرتقالة" في أكثر من كلمة تأبين. فالقاسم ودرويش شاعران صديقان ترعرعا في الجليل معاً ولوحقا من قبل السلطات الإسرائيلية في شبابها، وظلت مساراتهما تتوازى وتتقاطع. وإن كان محمود درويش لم "يحظ" بأن يدفن في قريته البروة ودفن في رام الله.

أجمع المتحدثون في كلمات التأبين على رسالة القاسم الشعرية والوطنية والقومية، وندائه الى وحدة الشعب الفلسطيني، ومن تحدّثوا إلى "العربي الجديد" من رفاقه وزملائه لمسنا لديهم أثر شمائله الشخصية: تواضعه على المستوى الشخصي والدماثة وحس الدعابة.

مشاعر كثيرة مختلطة تنتاب المرء وهو يرى اجتماع الشمل الفلسطيني في وداع الشاعر والأقوال فيه وحوله. ويبقى صوته في "كلمة الفقيد في حفل تأبينه" أكثرها تأثيراً. وداعاً سميح القاسم.

المساهمون