في وداع أبي محمد الزرقاوي

في وداع أبي محمد الزرقاوي

20 اغسطس 2014
من إحدى أمسيات الشاعر في عمّان
+ الخط -

لم تكن مدينةً بعد؛ كانت قرية كبيرة، تحوي تجمعاتٍ لقواتِ حرسِ الحدودِ التابعةِ للجيش. تلك هي الزرقاء، في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي استقبلت، وقتَها، صرخة/ قصيدة الشاعر الراحل سميح القاسم الأولى، يوم 11 أيار/ مايو من عام 1939، والتي استنشق من هوائها أنفاسه البكر.

علاقةٌ طارئة جمعت المدينة وابنها، وقد ظلَّت كذلك على الصعيد الشعري. فوالده، الذي كان يعمل ضابطاً، حينها، في قوّة حدود شرق الأردن، ارتحل وعائلته عنها بعد مولد سميح مباشرة، ليقيموا تالياً في مدينتي الرامة والناصرة، شمال فلسطين. غير أن شيئاً من روائح المدينة ظل يسري في دم الشاعر، الذي ما انفك يتغنى بها، في جلّ أمسياته التي أقيمت في الأردن. ففي ذروة انشغال العالم بأبي مصعب الزرقاوي؛ كان القاسم يصف نفسه، في إحدى أمسياته الأردنية، بقوله: "أنا أبو محمد الزرقاوي"، في إشارة وجدانية وشعوريّة إلى المدينة، وانحيازه لأهلها، بوصفهم جميعاً أهل حياة.

في سبعينيات القرن الماضي، وبسبب توتر العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والأردن، اتسمت علاقة القاسم مع االمملكة، بمجملها، بالتوتر؛ ففلسطينيته الحارة شكلت حافزاً لديه لاتخاذ موقف سياسي حاد من الأردن، حكومة ونظاماً، وهو الموقف الذي بادلته إياه المملكة. وقد بقيت تلك العلاقة بينهما حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ليعود الشاعر إلى مسقط رأسه، في منتصف التسعينيات، في سياق واحدة من الاستحقاقات السياسية لاتفاقية "وادي عربة". هكذا، أتاحت له تلك الأمسية الحاشدة فرصة للتعبير عن ارتباطه الوجداني والعاطفي بمدينة الزرقاء تحديداً، وبالأردن، بشكل عام.

هي مسيرة قلقة، على حبل مشدود، مسيرة سميح القاسم في الأردن. قلقة على المستويين: السياسي والأدبي؛ فالهيئات الثقافية لم تتطرق لرحيله، في حين اكتفى مثقفون أردنيون بالتعبير عن إحساسهم بالخسارة حيال رحيله، بكلمات وجدانية على صفحاتهم الخاصة على الفيسبوك.

المساهمون