عمّان.. تداعيات مجزرة شعرية

عمّان.. تداعيات مجزرة شعرية

08 ابريل 2014
+ الخط -

معظمنا شاهد بأمِّ عينه، أو سمع، عن مجازرَ وحشية بحق البشر أو الشجر أو حتى الحيوانات، وذلك بوسائل مختلفة منها المرئية والمسموعة والمقروءة، مما استدعى إنشاء منظمات لحقوق الإنسان وجمعيات لحماية الأشجار ومحميات للحيوانات، بغية أن توقف أو تحدّ من تعرضهم للاضطهاد.

أما أنا، وقلّة معي، فقد شهدنا مؤخراً على مجزرة بحق الشعر الذي هو بالضرورة فعلٌ إنسانيٌ وصديق للطبيعةِ وللكائنات. المفارقة هنا أنّ مرتكبي هذه المجازر ليسوا من أعداء الشعر أو مبغضي الكلمة، بل هم من سَدنته وحُماته كما يفترض.

إذ نظمت "لجنة الشعر" في "رابطة الكتاب الأردنيين"، "معقل الفكر والكلمة"، وبالتعاون مع "المركز الثقافي الملكي"، "مهرجان السوسنة الشعري الأول"، وذلك احتفاء بـ"يوم الشعر العالمي"، ضمّ عدداً من المشاركين يربو على السبعين، وكاتب هذه السطور واحد منهم، علماً بأنه لا يجرؤ على تسمية سبعة منهم بــ "الشعراء".
اعتمد منظمو "المهرجان"، في ما يبدو، على عدد "اللايكات" التي توضع لـ"شعراء فيسبوك" بالمجّان، فاختاروا في ما يبدو المشاركين فيسبوكياً، كاللبنانية التي تحصد نحو اكثر من 500 "لايك" على صورة لطبق تبولة صنعته في المنزل. بالمقابل، جاء الرد من بعض الشعراء والنقاد فيسبوكياً أيضاً للدفاع عن الشعر.

قد يخرج عليّ البعض ويتهمني بـ "المخرّب"، أو يتجرأ أحدهم ويرفع في وجهي سلاحاً أبيض، كما حدث سابقاً في "الرابطة" إثر شجارٍ بين اثنين من أعضائها على خلفية نقاش سياسي. وفي أحسن الأحوال قد يواجهني شخص لبق وينكر عليّ ما أقول بحجة أن المهرجان قام على جهد فرديّ ٍ ليس إلا، وأنه لا يزال في دورته الأولى، وبالتالي من الضرورة أن أتريث حتى أرى "نضجه" في الدورات القادمة.

لا، لن ننتظر اعتداءات أفدح على الشعر ولن ننتظر "مهرجان السوسنة الثاني". ويا سيدي اللبق لو أن هذا المنظم أجرى اتصالاً مع خمسة أدباء -أو أقل قليلاً - حتى يساعدوه في اختيار الأسماء المشاركة، لكان تفادى بهذا الاتصال، الذي لن يستغرق أكثر من دقائق، وصمة عار ستلاحق "لجنة الشعر" في "رابطة الكتاب الأردنيين" حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

إلى جانب الأردنيين، قرأ في "المهرجان" المذكور عدد من المشاركين العرب المدعوين من دول مختلفة، كالسعودية، والسودان، ولبنان، وجميعهم بلا استثناء لا علاقة لهم بالشعر أو الكتابة، لا من بعيد أو قريب، ولو حاولت البحث عنهم فحتى "غوغل" لن يجد لهم أثراً. فكيف استطاع المنظمون فعل ما عجزت عنه التكنولوجيا؟

والأنكى أن وسائل الإعلام الأردنية واصلت تغطياتها المجاملاتية كي تملأ صفحاتها، وحتى "تلفزيون رؤيا" لم يتورع عن استقبال بعض أقطاب المجزرة، وعلى رأسهم ثالثة الأثافي اللبنانية، فلورا قازان، التي تم تقديمها كـ "شاعرة" وصاحبة "شعر مميز" - من قبل مقدمة البرنامج، في حين تغزّلت "الشاعرة المميزة" بالأردن وسحقت في الطريق أبسط مفهوم عن الشعر.

لا شك في أنه فعلٌ عشوائيّ وفردي يفتقر إلى الأهلية والمسؤولية وأدنى أساسيات التنظيم الثقافي وآلية صنع المهرجانات .. وليس مستغرباً حجم الاستياء الذي حصده. ولا غرابة أن الجمهور والوسط الثقافي وصفوه بالكارثة. ولعل أجمل وصف سمعته من أحدهم حين همس خلال واحدة من تلك الأمسيات الكارثية: "الكلمات للرُكَب في القاعة"..

لكن، والحق يقال، لهذا المهرجان/ المجزرة إيجابية ثمينة ومضحكة؛ ثمينة كونه خلق جرأة لم تكن معهودة في السابق عند الشعراء في الوسط الثقافي الأردني؛ فها هم يتراشقون آراءهم علانية في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. أما مضحكة فلكونه استعاد شعر الهجاء من بطون الكتب ومتاحف الذاكرة، فأحد مناوئي "السوسنة"، نظم هجاء عمودياً في "المهرجان"، لكنه سرعان ما سحبه.. عن موقعه في الفيسبوك.

المساهمون