المشهد سوري وبيروت الخشبة (1)

المشهد سوري وبيروت الخشبة (1)

01 مارس 2014
اللحظة المسرحية السورية في لبنان
+ الخط -

مسرحيون سوريون هاربون من الستارة المسدلة في دمشق، حيث الطَرَقات الثلاث على الخشبة قد تنتهي إحداها بدقّ عنق الممثل.

فهل وجدوا مساحة في لبنان تمكنّهم من إلقاء نصّهم، وتحريك شخوصهم كما أرادوا؟ هل بيروت لهم مجرد خشبة كباقي المسارح في أي مكان آخر، أم ثمة احتطاب جديد هنا، أو ان يضطّرم الحريق هناك؟ هل خاطبوا الجمهور اللبناني بلغتهم، أم اكتفوا بخطب ودّه العاطفي؟ أم لعلهم سوريون مثلهم مَن يتلقفون غروضهم هنا أيضا، ويصفق أو لا يصفق لهم؟ هل هم لاجئون مسرحيون - إن كان لا يزال في المسرح أصلاً فسحة للجوء- أم مسرحيون يستكشفون صباح "ثورة"؟

"ليس مهماً لي إن كان جمهور عروضي لبنانياً، وفي الوقت ذاته لا أعتقد أنّي أوجّه عملي لجمهور سوري. ولكن شئنا أم أبينا هناك سوريون كثر في بيروت اليوم".

بهذه العبارات يلخّص الكاتب والمخرج المسرحي الشاب مُضر الحجّي جوابه عن إشكاليّة تلقي الجمهور في لبنان، للعروض السوريّة على ضوء ما يجري الآن في بلده سوريا.
الحجّي الذي مضى على وجوده في لبنان قرابة العام؛ يرى في بيروت مكاناً "مناسباً" لعمل الشبان المسرحيين السوريين، لأنه "ما من خيارات أخرى"، فالقاهرة مثلاً "كبيرة، وليس فيها سوريون كثر"، في حين تفتقد عمّان لـ"هذه الحالة المسرحيّة الموجودة في لبنان".

الحجّي بصدد كتابة نص مسرحي جديد، وقناعته أنّ التفكير في جنسية "المتلقّي" أثناء الكتابة "أمر غير صحّي". وإنْ كانت "حكايته" سوريةً؛ فهذا لا يعني بالضرورة أنّها "موجهة لسوريين"، مجادلاً بأنّ "طرح أسئلة إنسانية عامّة" هو من "لزوم ما يلزم" على من يريد تقديم عمل فنيٍّ خلال "الثورة"؛ وملاحظاً في الظرف "الاستثنائي" السوري "فرصة" لتناول هذه الهموم التي ستتخذ بدون شك "شكلاً" آخر، وبالتالي تمنح الإجابة عن السؤال القديم "مقاربة" أكثر جدّية.
لكنّ الممثل المسرحي هاشم عدنان، وأحد أعضاء فرقة "زقاق" اللبنانية، يرى أنّ ثمّة "مقاومة" من الجمهور اللبناني تجاه أعمال الفنانين السوريين، ناتجة عن "العنصرية الواضحة التي تتملك بعض المجتمع اللبناني تجاه السوريين عموما". ويضيف: "هذا يضع عائقاً أمام تفاعلك مع الفن السوري المعروض، وهو أمر يكبّل الطرفين: الفاعل الفني السوري، والجمهور اللبناني".

بدورها تثني الفنانة المسرحيّة اللبنانية لميا أبي عازار على رأي زميلها في فرقة "زقاق"، فتصف الساحة الفنيّة اللبنانية التي يؤمّها كثير من السوريين اليوم بأنّها "فخ". منتقدةً الصورة النمطية عنها التي توحي بوجود "فضاءات حرّة"، و"احتمالات عمل ناجزة"، ناهيك عن الوعود المرسلة ربما بـ"مردود مادّي" أيضاً. بيد أنّ واقع الحال يقول، في نظرها، إنّ بيروت "قاسية"، و"مكلفة". هذا إذا تغاضينا عن "الأوضاع الأمنية الشخصية" لهؤلاء الفنانين، و"القلق السياسي" من المكان الذي يوجدون فيه اليوم، "مرغمين ربما".

الاعتبار الأمني الأخير بالذات، أمر لا يمكن لضيفنا الثالث أن "يتغاضى" عنه "أبداً". إذ طلب من "العربي الجديد" عدم ذكر اسمه الحقيقي. فهو يحضّر لعمل جديد، بعد هربه من دمشق أخيراً، ولا يريد أن يفسد على نفسه فرص عملية الاستكشاف التي ما زال مستمراً فيها، بحثاً في إمكانية تنفيذ عرضه هنا.
يقول "لؤي" (اسمه االمستعار)، معلّقاً بهدوء على مسألة الجمهور هذه: "ربما لن يحرم الظرف "التقني" (الأمني) اللبنانيين فقط من حضور عرضي (في مخيم شاتيلا)، بل سيحرمني أيضاً من أن أقدّمه في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي أتمنى أن أعرض فيها وأخرج منها سالما!".
ويؤكدّ "لؤي" أنّ السويّة الفنيّة الجيدة هي ما يشغله في عرضه، وليس مجرد تقديم شعار "عاشت سوريا، يسقط بشار الأسد". وأنّ سعادته بالعرض إيّاه ستكتمل إن كان بين الجمهور "وجوه جديدة من ذوي الأكفّ المشققة، أو ممن تحت أظافرهم سواد"، أكثر من حضور مزيد من الصحفيين. ولكن هذا لا ينسيه قناعته بأنّ الفن "لا يقتصر خطابه على جنسيات وطبقات بعينها. الفن موجه للإنسان، كل إنسان".

 

المساهمون