ميرو وكالدر: عودة إلى الدهشة والطفولة

ميرو وكالدر: عودة إلى الدهشة والطفولة

22 سبتمبر 2018
منحوتة لـ خوان ميرو في باريس، 1975
+ الخط -

رسام إسباني من كتالونيا ونحات أميركي من بنسلفانيا، بدأت "صالة بيروديار" في بروكسل بعرض مختارات من أعمالهما منذ السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري وحتى منتصف كانون الأول/ ديسمبر المقبل. الأول هو خوان ميرو (1893- 1987) أحد أبرز رسامي القرن العشرين، والثاني هو ألكسندر كالدر (1898- 1976) أشهر نحات أميركي في القرن ذاته.

في رأي منظّمي المعرض، فإن الصداقة الطويلة الوثيقة التي جمعت بين الاثنين، وكانت بدايتها في باريس في عام 1928، ليست وحدها الدافع وراء عرض استثنائي من هذا النوع، بل هو الحوار المتبادَل بين أعمال الفنانَين، وتأثير أحدهما في الآخر، فالأول رسام ونحات ونقاش وخزّاف، والثاني يماثله في الجمع بين النحت والرسم والتصوير، والناتج تماثل لافت للنظر بين فن هذا وذاك، على بعد المسافة بينهما.

وهناك مشترك آخر، فكلاهما أحدث ما يمكن أن يسمى "ثورة" في تاريخ الفن باستخدام تقانات ومواد غير تقليدية بالنسبة إلى ذلك الزمن، واستكشف بحماس وقدرة متوهجة على الابتكار ممكنات إبداعية جديدة متحرّرة من القيود الثقافية.

وتوصل كلاهما إلى تطوير فن ذي سمة شخصية دالة على شخصيته لا سبيل إلى أن الخطأ في التعرف إليها فور مشاهدة أي منتج من منتجاته، سواء كان منحوتة أو لوحة، أو نقشاً أو قطعة خزفية. وخرج كلاهما على محددات مهنته أيضاً، فمع أن شهرة الرسام غلبت على أحدهما، وشهرة النحات على الآخر، إلا أنهما استخدما وسائط مختلفة، ووسائل تعبير متنوعة، وكلاهما كان غزير الإنتاج تتفاوت أحجام أعماله بين صغيرة وضخمة لا تصلح إلا للعرض في الأماكن العامة.

ولا يشك أحد، وخاصة في ضوء هذه المختارات من أعمالهما، أنهما شقّا طرقاً فنية جديدة أمام جيلهما، فأصبحت أعمالهما ولا تزال مصدر إلهام للفنانين المعاصرين، بل وتجاوزت الإلهام إلى التأثير.

إذا بدأنا بخوان ميرو، وهو أحد الممثلين الرئيسيين للحركة السريالية، نجده يعكس في عمله أكثر موضوعات الفن المعاصر بروزاً: الاهتمام باللاوعي والروح الطفولية التي قال بابلو بيكاسو ذات يوم إنها الغاية النهائية التي يسعى إليها فنه. وقبل تحوّل ميرو إلى السريالية، نجد في أعماله المبكرة آثار عدد من المدارس، مثل تلك المسماة وحشية ثم تكعيبية فتعبيرية، قبل أن يستقر أخيراً على الأسلوب الذي عُرف به وصار دالاً على شخصيته الفنية، أي الرسم على سطح كامد غير مصقول مع لمسة فن فطري يشبه ما يرسمه الأطفال أو ما يتخيلون.

عكس كل هذا رغبة الفنان في تجاوز الأساليب التقليدية في الرسم، والوصول إلى "لغة" شخصية بالغة الخصوصية، وهذا هو ما حدث، بالإضافة إلى لمسة أصبحت من سمات الفن في القرن العشرين، تتمثل في تعزيز شمولية وعالمية مبادئ الفن بإقامة ما يشبه حوارا بين الشرق والغرب.

في أيامه الأخيرة أنشأ خوان ميرو بنفسه مركزاً للفن المعاصر يحمل اسمه في برشلونة، تتجاور فيه أعماله مع أعمال لفنانين معاصرين له، وينظم هذا المركز معارض ويقوم، بالتعاون مع معاهد ومؤسسات أخرى، بأنشطة ومشروعات دراسية وتعليمية، واستكشاف جوانب بحثية تربط أعمال ميرو بالفن المعاصر.

ولا يقل تأثير النحات ألكساندر كالدر أهمية عن تأثير ميرو، فهو من أوائل النحاتين الأميركيين الذين حظوا بشهرة عالمية، وتُشاهد أعماله كما أعمال ميرو، في أكثر من متحف وأكثر من ساحة عامة في هذه العاصمة أو تلك. عُرفت منحوتاته باسم المنحوتات المتحرّكة لأنها تتحرّك بتأثير التيارات الهوائية. كان السابقون يمنحون منحوتاتهم الحركة بوسائل محركات آلية، أما هو فيترك لتشكيلاته التجريدية أن تتحرك تلقائياً، هي المكونة من صفائح معدنية وأسلاك.

وظهرت لديه هذه النزعة إلى إشراك الحركة في تشكيل أعماله منذ سنواته الأولى في باريس، حيث تضمنت أعماله ألعاباً خشبية ونماذج مما يُستَخدم في السيرك ومنحوتات وأسلاك. وفي عام 1932 بدأ بابتكار أعمال متحركة (والتسمية من اختراع الفنان مارسيل دوشام)، إلى جانب منحوتات مستقرة شبيهة بالمتحركة إلا أنها لا تتحرك. وفيما بعد، ابتكر مزيجاً من أعمال متحركة وأخرى مستقرة.

تجربة هذين الفنانين المشتركة، إذا صح التعبير، وصداقتهما في أجواء حفلت بفعالية فنية تموجت على نطاق عالمي تخطى باريس وفيلادلفيا، لم تدفعهما إلى أن يشتركا معاً في تشكيل حركة فنية، إلا أن فن أحدهما تغذى على فن الآخر إلى درجة أنهما تماثلا تقريباً في كيفية التعامل سواء مع علاقة الكتلة بالفراغ أو علاقة المشخص بالمجرد، فحق لمنظمي المعرض الجامع بينهما دعوة الجمهور إلى الدخول واكتشاف المدهش والعجيب في لقاء هذين العملاقين من عمالقة الفن في القرن العشرين.

دلالات

المساهمون