احتفالية حيفا

احتفالية حيفا

26 مايو 2016
من "احتفالية فلسطين للأدب" في حيفا، تصوير: روب ستوثارد
+ الخط -

بالأمس كنت في طريقي نازلاً على الدرج الطويل من بيتي الجبلي الجديد نسبياً، بجانب "مستشفى روتشيلد"، في المكان ذاته الذي قُصفت منه حيفا العربية في العام 1948 بالقذائف والرعب والكراهية، إلى مكاتب "جمعية الثقافة العربية"، قرب حي وادي النسناس الذي جُمِّع فيه القلائل الذين نجو من التهجير في غيتو وصدمة.

كان صباح أمس مكفهّراً غائماً، الغريب عن أيّار حيفا الملوّن، عادة، بالليلك، محبِطاً بعض الشيء، خصوصاً أن هناك مشاعر رافقتني مع فصول الكتاب الجديد للمؤرخ عادل منّاع "نكبة وبقاء" الذي يحكي ويحلّل ظروف بقاء الفلسطينيين في حيفا والجليل، ويسأل: كيف ولماذا بقينا؟

شغلتني حكايات الذي ظلّوا هنا بعد الدمار والخراب، قدرتهم على الصمود والتحمّل، على النضال وعلى التحايل؛ حكايات أعوام العزلة الطويلة، والخروج من تحت الركام.

لكني، عندما فتحت الباب الحديدي الأخضر للجمعية، أنار ملصق "احتفالية فلسطين للأدب"، حيفا المعلّق في مركز الباب الزّجاجيّ شمساً صغيرة دافئة في قلبي.

في تلك اللحظة أدركت من جديد أنّ ما نقوم به جميعاً، بمجرد وجودنا هنا الآن ننثر الشعر والأدب والأحرف العربية في أنحاء هذه المدينة، في مقاهيها ومسارحها وفضاءاتها الحرّة، هو عمل كبير، وليس مفهوماً صمناً، بالمرة. هو احتفال بالوجود، احتفال بالوعي، احتفال باللغة، احتفال بالأدب، احتفال بالشعر، احتفال بمكانة الأدب والشعر في تشكيل الوعي وتحصين الوجود. احتفال بحيفا، بأننا في حيفا.

بعدما فتحت الباب الزجاجي الشفاف، فهمت لماذا انتظر أيّار كل عام، لأن الشجرة قرب شباكي تزهر بالبنفسج، ولأن شجرة ذاكرتي تخضّر فأستعيد المعنى، ولأننا في كل أيّار نحتفل في احتفالية فلسطين للأدب.


* كاتب فلسطيني ومدير "جمعية الثقافة العربية" في حيفا

دلالات

المساهمون