لعل الناظر في آخر الإنتاجات المسرحية التونسية سيلتقط نقاط تشابه عدة ليست سوى انعكاس لنفس الواقع بمفردات مختلفة. من "بلاتو" لـ غازي الزغباني إلى "التابعة" لـ توفيق الجبالي، مروراً بـ "عنف" لفاضل الجعايبي وجليلة بكار، نكاد نكون أمام تنويع على لحن واحد، وها هي مسرحية "تونس" لـ أحمد أمين بن سعد، التي عُرضت من 29 إلى 31 كانون الثاني/ يناير في قاعة "ريو" في تونس العاصمة، تؤكد القاعدة.
تضعنا المسرحية في إطار رمزي: بيت كبير يضم مجموعة إخوة من اتجاهات مختلفة. لن يتوه المتفرج عن مرجعيات كل شخصية، فجميعهم يتحرّك ضمن التيارات السياسية والاجتماعية المعروفة في تونس: أصوليون ويساريون وأصحاب "عقيدة أمنيّة" وغائبون عن المشاركة؛ وما يصحب التقاءهم اليومي من صدام.
كل طرف من هؤلاء، الذي جسّد أدوارهم منيرة زكراوي وسهير بن عمارة وعلي بن سعيد وربيع براهيم وأمل العمروي ومحمد أديب حمدي، يريد أن يهيمن على البيت الكبير، والأب (أداء: جمال مداني)، مغنّي أفراح، يعيش في وهم القدرة على ضبط الأمور في كل وقت.
زمنياً، تنتقل المسرحية إلى المستقبل وتعيد تركيبه بعناصر الحاضر، فـ "بعد أكثر من عشرين سنة على اندلاع الحرب الأهليّة في تونس إثر انتخابات سنة 2019، تتدخّل القوى الدوليّة لتفرض "وقفاً لإطلاق النار". النتيجة كانت تقسيم تونس إلى ثلاث مقاطعات، مختلفة؛ مقاطعة إسلامية، وأخرى رأسمالية وثالثة شيوعيّة"، كما جاء في نص تقديم المسرحية. بهذا المعنى، يقدّم العمل تخييلاً لأقسى ممكنات الانقسام الموجودة بذورها في تونس اليوم.
على مستويات عدة، نجح بن سعد في إبراز لمعات على مستوى النص أو الكوريغرافيا تشير إلى شخصية إخراجية ضمن المشهد التونسي، خصوصاً على مستوى توظيف العناصر الركحية رغم الديكور الفقير، إضافة إلى اشتغال على توازي نصه مع المدوّنة الغنائية الشعبية التونسية، والمتداول من مصطلحات الحياة اليومية.
غير أن الخطاب المباشر الذي حملته المسرحية، والإحالات الرمزية السهلة أضاعت على العمل الكثير من الشحنة التي كان من الممكن تمريرها إلى المشاهد، خصوصاً أن نقاط التصادم جاهزة لديه من خلفياته التي أتى بها قبل دخوله العرض.
اقرأ أيضاً: "عقاب أحد": قاع المدينة ونعومتها المزيفة