محمد الطاهر الفرقاني: صمت المالوف

محمد الطاهر الفرقاني: صمت المالوف

10 ديسمبر 2016
(1928 - 2016)
+ الخط -

بعد أن قدّم وصلةً غنائية قصيرة من موسيقى المالوف وهو يعزف على آلة العود في برنامج للهواة يُعرض حالياً على محطّة عربية، وقفَ ليستمع إلى آراء أعضاء لجنة التحكيم في أدائه. لم يُخْف المغنّي ذو الأربعة والعشرين ربيعاً فخره بكونه يمثّل الجيل الرابع من فنّاني عائلة الفرقاني، إحدى أبرز العائلات الموسيقية في "عاصمة فن المالوف"، قسنطينة.

وبالفعل، فـ محمد عدلان هو حفيد الفنّان الجزائري، محمد الطاهر الفرقاني (1928 - 2016)، المُلقّب بـ "عميد موسيقى المالوف"، والذي رحل الأربعاء الماضي في مشفىً باريسي مكث فيه قرابة ستّة أشهر.

في أحد حواراته التي أدلى بها في السنوات الأخيرة، يُشير رقّاني، وهو الاسم الحقيقي للفنّان الراحل، إلى ارتباط عائلته بالموسيقى، قائلاً: "كلّ أفراد عائلتي موسيقيون، وبإمكاننا تقديم أوركسترا كاملة بمفردنا"؛ إذ كان أبوه، الشيخ حمّو (1884 - 1972)، ملحّناً ومطرباً في موسيقى الحوزي، هذا النوع الموسيقي الذي وإن كان منتشراً في مدن الغرب الجزائري خصوصاً تلمسان، فإنه قريب من المالوف ويشترك معه في جذوره الأندلسية، كما سعى وإخوته إلى حفظ هذا التراث ونقله إلى أبنائهم وأحفادهم أيضاً.

اللافت أن صاحب "يا ظالمة" بدأ مسيرته الفنّية مع فرقة تؤدّي الطرب الشرقي، لكن تأثّره بمعلّمَيه: علي خوجة وبابا علي جعله يُغيّر الوجهة إلى المالوف القسنطيني. على أن بدايته الحقيقة كانت عام 1951؛ حين حاز الجائزة الأولى في مسابقةٍ موسيقية نُظّمت في مدينة عنّابة، شرقَي الجزائر، ما أتاح له تسجيل ألبومه الموسيقي الأوّل الذي أدّى فيه أغانيَ من فنَّي الشعبي والمالوف، والاقتراب من أبرز مطربي الموسيقى الأندلسية الجزائريين؛ مثل: دحمان بن عاشور وعبد الكريم دالي.

شغفه بالموسيقى الشرقية كان حاضراً في المالوف الذي أضفى عليه لمسته الشخصية بإدراجه مقامات شرقية فيه، إلى جانب النوبة العاصمية والموسيقى المغربية والمالوف التونسي.

برز محمد الطاهر بقوّة وجمال صوته، وبعزفه المتفرّد على كلّ الآلات الموسيقية وخصوصاً الكمان. وخلال سبعين عاماً من مسيرته الفنّية، قدّم المئات من التسجيلات في المالوف وأنواع موسيقية أخرى؛ مثل الزجول والمحجوز والحوزي، وقد كان لتسجيلاته تلك، بحسب المهتمّين بالموسيقى الأندلسية، دورٌ بارز في الحفاظ على هذا التراث الفنّي، هو الذي كان يُوصف بأنه "الذاكرة الحيّة للمالوف".

تُوجد مدرسة موسيقية واحدة في قسنطينة، والتي وضع الفرقاني لها أُسساً ومبادئ لتعليم المالوف في 50 أسطوانةٍ مسجّلة، وأصبحت تُعرف بـ "مدرسة قسنطينة للموسيقى الأندلسية"، وتخرّج منها كُثر كان عليهم أن يُتقنوا سماع تلك الأسطوانات، حيث ظلّ يردّد في حياته: "السماع لهذا الفن هو الطريق إلى الغوص في خباياه، واكتشاف أسراره"، موصياً الفنّانين الشباب بـ "الحفاظ على فن الفرقاني" والبناء عليه لا تحريفه وتشويهه.

لكلّ مدينة فنّانها وصوتها، والفرقاني هو صوت قسنطينة التي أصبح أحد رموزها الثقافية وعنصراً أساسياً في مزاجها اليومي المعلَّق كما جسورها السبعة، هو الذي غنّى "قسنطينة هي غرامي" التي يتغنّى فيها بالمدينة وتاريخها ويتحسّر على تقاليدها العريقة، و"قالوا العرب قالوا"، وهي نصّ شعري تاريخي مجهول المؤلّف والملحّن يتغنّى بـ صالح باي (1771 - 1792)، أحد بايات العهد العثماني، ويصف حزن سكّان المدينة عليه بعد نهاياته التراجيدية.

بدت قسنطينة، وهي تشيّع جنازته أمس الجمعة، كما لو كانت تستعيد ذلك الحزن التاريخي.

المساهمون