ما زالت الثيران أسوداً وخنازير مجنّحة

ما زالت الثيران أسوداً وخنازير مجنّحة

11 سبتمبر 2015
(من كتاب لـ دبليو كولِت ساندارز / 1895)
+ الخط -

لا ريب في أن مؤرّخ الفن الهنغاري أرنولد هاوزر (1892- 1978) لن يكون سعيداً لو علم أن كتابه المُترجم إلى الإنجليزية باسم "التاريخ الاجتماعي للفن" (1951)، قد تحوّل إلى "الفن والمجتمع عبر التاريخ"، حين صدر لأول مرّة بالعربية، في القاهرة سنة 1971 عن "دار الكاتب العربي" على يد فؤاد زكريا (1927- 2010).

المؤكّد أنه سيشعر بالتعاسة، لو عرف أن المترجم حوّل "الثيران الآشورية المجنّحة" إلى "أسود وخنازير مجنحة"، وجعل من "أشور بانيبال" (الملك الآشوري) اسماً لمكان وليس لإنسان (ص 64).

بالطبع، فإن هاوزر، الماركسي البارز في مجال تاريخ الفن، والذي ركّز في كتابه على تأثير التغيّر في البنى الاجتماعية على الفن، لن يكون سعيداً بطمس المدلول الحقيقي لعنوان كتابه، وسيشعر بالأسى أكثر، حين تخرج عليه طبعة ثانية سنة 2005، فتزعم "دار الوفاء للطباعة والنشر" في الإسكندرية، أنها الطبعة الأولى، بعد أن أسقطت اسم مُراجع الكتاب، أحمد خاكي، وأصدرته بالعنوان المحرّف ذاته والأخطاء ذاتها.

لم تقتصر الأخطاء على ما سبق ذكره، بل وصلت إلى ترجمة لفظة العتيق أو المهجور الممات من أساليب الفن (Archaic) إلى "أسلوب الفن الآرخي" (ص 87). هكذا أصبح ثمّة - حسب المترجم- أسلوب فن آرخي وعصر آرخي.

ولا يرد في الترجمة ذكر لفن "مايسيني" (Mycenae)، حين تُستبدل كلمة "موقينائي" بـ "مايسيني" الأصلية لفظاً ومعنى (ص 87)، فيصير لدينا "تراث كريت الموقينائي" و"العصر الموقينائي"، بينما الإشارة في الأصل هي إلى تراث هذه المدينة الإغريقية القديمة الواقعة شمال شرقي شبه جزيرة البيلوبونيز (الجزء الجنوبي من أرض اليونان)، وكانت مركزاً حضارياً مبكّراً في عصر البرونز، والتي تُلفظ "مايسيني". وتبعاً لذلك تكون الكلمة الدالة على النسبة "مايسينية" إذا اتّبعنا الإنكليزية حرفياً، و"مسينية" كما هو لدارج عربياً، وليس "موقنائي" و"موقنائية".

لا تكتفي بعض دور النشر العربية بإعادة نشر كتب منشورة والزعم بأنها "الطبعة الأولى"، بل تعيد أخطاء الطبعات السابقة وتُسقط منها مقدّمات مهمّة تاريخياً.

ينطبق ذلك، مثلاً، على كتاب صدر عن "منشورات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث" (كلمة)، بعنوان "التراث الهندي.. من العصر الآري إلى العصر الحديث" (2010) للبروفيسور همايون كبير (1906- 1969) ولمترجمه - كما ورد على الغلاف- البروفيسور ذكر الرحمن ومراجعه عمر الأيوبي، وقد كتبوا أنه الطبعة الأولى، في حين أنه قد صدر في بومبي عام 1959، عن "مجلس الهند للروابط الثقافية"، وبكلمة افتتاحية للشاعر عمر أبو ريشة حين كان سفيراً لـ "للجمهورية العربية المتحدة" في الهند، ومقدّمة يشكر فيها مؤلّفه أبو ريشة على إشرافه على تعريب كتابه، ومن دون العبارة التي أضافتها هيئة أبو ظبي، ("من العصر الآري إلى العصر الحديث").

ثمّة طبعةٌ أخرى أصدرتها "دار مكتبة بيبليون" في لبنان سنة 1955، مع إضافة عنوان فرعي "دراسة في أديان الهند وآدابها وفنونها وتفاعلها مع الإسلام"، ويبدو أن هذه الإضافة جاءت بسبب عناية هذه المكتبة ولويس صليبا بموضوع الديانات المقارنة، والشرقية منها بخاصّة؛ حيث إن لـ لويس صليبا مساهمات في هذا المجال، منها رسالة دكتوراه حول "الهندوسية وأثرها في الفكر الإسلامي" (بالفرنسية)، وترجمة للكتاب الهندي "الريك فيدا"، الذي يُعدّ أقدم كتاب ديني في العالم.

اللافت أن طبعة أبوظبي – إضافةً إلى زعمها أنها الطبعة الأولى- هي ذاتها ترجمة "مجلس الهند للروابط الثقافية"، مع تغيير طفيف في صياغة بعض السطور وإسقاط افتتاحية عمر أبو ريشة ومقدّمة كبير.

المساهمون