المغيّبون في "المناهج" الإسرائيلية: نكبة اللسان

31 يوليو 2015
كمال بُلاطه / فلسطين
+ الخط -

يسعى كتاب "المُغيّبون"، الصادر حديثاً عن "جمعية الثقافة العربية" في حيفا، إلى تقديم قراءة نقدية لكتب المناهج الإسرائيلية في المدارس العربية الثانوية، من خلال سبعة فصول، عمل عليها ستة باحثين مختصين في عدد من المجالات العلمية.

في الفصل الأول، يقدّم الباحث إلياس عطا الله دراسة تحليلية لكتب التعليم باللغة العربيّة في المرحلة الثانوية، حيث يعرض معايير "وزارة المعارف" في "المصادقة" على هذه الكتب، ويكشف مدى "التزام" المناهج بهذه المعايير ومضامينها.

كما يُقدّم تقريراً مُفصّلاً عن الأخطاء اللغوية المختلفة في كل الكتب التدريسية التي يشملها كتاب "المُغيّبون"، مستخلصاً أن الطلاب يدرسون كتباً تعج بالأخطاء، ناهيك عن النصوص والمضامين غير الملائمة للمرحلة الثانوية، المتسمة غالباً بالعبثية والسطحية، معتبراً أن القائمين على "التعليم العربي"، يعملون جاهدين ومنذ عقود على نكبة اللسان، بعد سعيها السابق في نكبة الإنسان.

في الفصل الثاني، تعرض الباحثة سهاد ناشف كيفيّة تشكيل الوعي الجندري، وتشكيل الهوية والذات الجمعية العربية الفلسطينية، بين طلبة المرحلة الثّانويّة، من خلال تحليل النصوص العربية التي تُختار للامتحانات النهائية التابعة لـ"وزارة التربية والتعليم" الإسرائيلية. إذ تُشير ناشف لعملية تغييب الأدب النسوي في جميع النصوص المختارة، إضافة إلى طبيعة عدد من النصوص التي تُصوّر المرأة كضحية، والرجل العربي كمُتسلّط ومستبد. الأمر الذي يخلق صورة مجتمع أبوي ومُتخلّف يقمع المرأة برؤية استشراقية، وفيه إعادة صياغة لنظرة الغرب للمجتمع العربي.

في الفصل الثالث، يُحلّل الباحث نبيل الصالح كتاب تدريس المدنيات، في ما يتعلق بواقع الفلسطينيّين في فلسطين المحتلة عام 1948 والأهداف المبيتة من وراء النصّ والصياغات للتأثير في الطلاب كأداة مركزية في تعميم الهيمنة الأيديولوجية.

وكان التوجه لاستخدام كتاب موحّد لمعظم المدارس الثانويّة في "إسرائيل" لتعليم المدنيّات قد بدأ في فترة اتفاقية أوسلو، عندما أرادت السلطات الرسميّة جسر الهوّة داخل "المجتمع الإسرائيلي"، وتطلّعت إلى دمج "العرب" فيه.

أمّا التعديل الذي جرى أخيراً لمنهاج المدنيات، فيعكس التوجه الحالي نحو تغليب الطابع القومي اليهودي، إذ يبرز بشكل واضح عبر الصياغة والتشديدات أن تعريف إسرائيل كدولة يهودية يفوق من حيث المكانة والأهميّة محاولتها لتعريف نفسها كـ"دولة ديمقراطية".

في الفصل الرابع، يعرض الباحث جوني منصور تحليله لكتب التاريخ ويشرح كيف يُجنّد واضعو الكتب "الماضي" لإضفاء شرعية على إقامة إسرائيل، فيما يُقصون تاريخ الشعب الفلسطيني ويحاولون محو ذاكرته الجماعيّة وطمس ثقافته، من خلال رزمة من النصوص والصور والأشكال التي تحطّ من مركّبات هويته؛ كالحضارة والتّراث والأحداث التاريخية والشخصيات الّتي تُعرض بطريقة مهينة.

كذلك، تُسرد أحداث عام 1948 من وجهة النظر الصهيونيّة من خلال مصطلحات مثل "حرب الاستقلال" و"إعلان قيام الدولة". يضاف إلى ذلك إصرار الكتب المدرسية على أن "أرض إسرائيل" هي من حقّ الشعب اليهودي، وإقلالها من استعمال اسم فلسطين، وتجنّب ذكرها ومحاولة استعمال مصطلحات بديلة مثل: أرض إسرائيل، وصهيون، والبلاد.

في الفصل الخامس، يحلل الباحث نبيه بشير، من خلال دراسته كتب علم الاجتماع، المضامين التي تدعو إلى عسكرة المجتمع بصور صريحة وأخرى ضمنيّة؛ إذ يزخر الكتاب بصور تحمل برمزيتها رسائل مُبطنة تُظهر الجيش فيها جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المدني، بعبارات تحمل دلالاتها التأكيد على أهمية الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ويُطلعنا بشير، في الفصل السادس، على استنتاجاته من تحليله للكتب المعتمدة في تدريس التّربية الدينية (الإسلامية والمسيحية والدرزية)، والتي تُكرس بعض مضامينها ولاءً طائفياً على حساب الولاء القومي الجامع. ويدعو بشير إلى ضرورة اطّلاع الطلاب على ديانات أخرى غير ديانتهم.

في الفصل السابع والأخير، يعرض الباحث إمطانس شحادة استطلاعاً للرأي بين الشباب العرب في الداخل الفلسطيني، فحص من خلاله علاقة الطالب العربي بلغته الأمّ.

شمل الاستطلاع 1316 شاباً، وغطّى كافة مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، وتمحور حول مواقف الطلاب من الإحساس والانتماء إلى اللغة، العلاقة مع المعلم والمدرسة، استعمال اللغة والحاجة إلى معرفتها، تقييم المعرفة والتمكّن من اللغة، وأخيراً المحور الاجتماعي العائلي والحيّز العام.

وخلصت النتائج إلى أن الطالب العربي يُدرك أهمية اللغة العربية في حياته، لكن بالرغم من هذا الوعي، لا يضع تعلّم هذه اللغة على رأس سلم أولوياته. كما تُظهر نتائج الاستطلاع أن غالبية الطلاب العرب يختلفون في تقييمهم لنجاعة أساليب تدريس اللغة، وذكر القسم الأكبر من المستطلعين أن تعلّم اللغة العربية في المدرسة "يُساهم في نجاحي الأكاديمي".

المساهمون