ياسمين حمدان: أرتجل هويتي

30 ابريل 2015
(تصوير: أدريان ميسكوتيف)
+ الخط -

التقيناها في يوم مشمس في باريس (مكان إقامتها الحالي)، وسألناها ما الذي يقلقها؟ فأجابت "لا شيء، الجو مشمس الآن وهذا يكفي". هي ياسمين حمدان الفنانة اللبنانية الخارجة من "أندرغراوند" الموسيقى العربية.

ولدت حمدان في بيروت، في خضم الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976، وعاشت جزءاً من طفولتها في الإمارات مع عائلتها التي هربت من الحرب. نشأت مع "البدو" - كما تقول - وتعلّقت بالصحراء التي "تعلّمت منها الحرية". حين سألناها عن ظهورها الدائم حافية القدمين على المسرح أجابت "أستعيد مرحلة الطفولة".

درست حمدان علم النفس في "الجامعة اليسوعية" في بيروت. تتكرر كلمة هوية في حديثها، وتقول "مشكلة الهوية لازمتني منذ البداية. الحرب الأهلية، ومرحلة الطفولة العاصفة، والتنقل المستمر، كل ذلك شكّل عوامل تشويش في وجداني وهويتي. وحين عدت إلى بيروت لم آلفها، بل كان شعور الغربة يتكثف فيها".

في الجامعة، التقت بالموسيقي اللبناني، زيد حمدان، وبدأت بتعلم الغيتار وكتابة الأغاني، وسرعان ما ستجد ضالتها أو هويتها المفقودة. تقول "الموسيقى اخترعت لي حياة أخرى، غير تلك التي كنت سألاقيها". حاوَلت دراسة الموسيقى في "معهد الموسيقى" في بيروت، لكنها هربت من "الجو الأكاديمي المحاصر بالدراسة الجافة والتلقين".

مع زيد حمدان، أسست فرقة "الصابون يقتل"، في فترة كانت موسيقى "البوب التجاري" هي الطاغية، وما أطلق عليه بـ"الموسيقى البديلة" ما يزال في بداياته. ونتج عن تجربتها مع "الصابون يقتل" ثلاثة ألبومات.

بعد انتهاء تعاونها مع زيد لأسباب تتعلق بـ"الرؤية الفنية" وتوقها إلى آفاق أبعد، غادرت إلى باريس عام 2001، لتحصل هناك على درجة الماجستير في الفن الأدائي من جامعة السوربون، وتصدر ألبوم "أرابولوجي" 2009، و"يا ناس" 2013.

من الصعب أن نقبض على نوع موسيقي واحد في أعمال حمدان، إذ إن موسيقى البوب والريغي والإلكترونية والموسيقى الشامية والأفريقية والخليجية، كلها متوفرة في معظم إصداراتها. وبالرغم من أن هذا التنوع قد يخلق صعوبة في تحديد هويتها الموسيقية، إلّا أن فرادة أدائها؛ صنعت لها نكهة موسيقية خاصة.

طريقة الأداء غالباً ما تلعب دور البطولة في أعمالها، فيخيل إلينا أحياناً أنها تأتي على حساب الألحان وبنية الأغنية نفسها. حول هذا الأداء، تعلق حمدان "أعمالي عفوية ذات بناء ارتجالي في معظم الأحيان. لا أنظر إلى الموسيقى ككتلة هندسية صارمة، بل أتعامل معها كساحة لعب تتيح لي تركيب عناصر متعددة. هي فعل تجريبي دائم، من دون حواجز أو نقاط تفتيش. ولا أخضع للقوانين بل أضع قوانيني بنفسي". وتضيف "لا أهتم بالألحان بقدر اهتمامي بطريقة إيصالها".

فيما يبدو أن طريقة الإيصال تلك ساهمت في تحويل سذاجة وركاكة الكلمات (التي تتعمد غناءها أحياناً) إلى تساؤلات وجودية، و"الكيتش" الموسيقي إلى تلويحة مدروسة ولافتة.

تقارب حمدان في أغنياتها بعض تابوهات الجنس والدين والسياسة. وتعلّق "هناك أزمة ثقافية حقيقية لدينا، وهذا يتطلب منا أن نعمل كجبهات مضادة. شخصياً، عانيت كثيراً من الرفض، لكن ما يعطيني الأمل هو أن الذين لم يتقبلوا أعمالي قبل سنوات بعضهم الآن من جمهوري".

وتضيف " كامرأة عربية متحررة من القيود الاجتماعية، أنظر إلى الفن كأداة أساسية للمقاومة، بمفهومها الواسع. ما ينظر إليه كمحظورات اليوم، كان أمراً عادياً ومقبولاً قبل خمسين سنة. الفنانة العربية هي مقاتلة، ومهمتها أصعب بكثير من مهمة أية فنانة في مجتمعات أخرى".

ورغم إجابتها الغريبة التي افتتحنا بها الحديث عند سؤالها عما يقلقها، إلّا أنها لم تتمكن في نهاية الحديث من إخفاء خوفها مما يجري حالياً في المنطقة العربية، وتعلق "ما يدور في المنطقة العربية مرعب، وكثيراً ما تساءلت كيف يمكننا أن نعبِّر عنه؟ ولم أجد إجابة. الجنون والتطرف الذي نعيشه هو صنيعة النظام الرأسمالي والنيوليبرالي، الجاهز لسحق كل شيء في سبيل أهدافه. معاناة الشعب الفلسطيني ما زالت مستمرة منذ أكثر من 66 عاماً، واليوم تتكرر المعاناة مع شعوب عربية أخرى، أمام مجتمع دولي أعمى".

وتضيف "نحن نعيش في عالم مأزوم بلا أخلاق، على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي". هذا الخوف يدفعها إلى التفكير "بعدم تكوين عائلة بأطفال" ستخشى عليهم من "المستقبل الجمعي المجهول".

بجانب إصدار الألبومات الموسيقية، عملت حمدان على وضع موسيقى لمجموعة من الأفلام منها فيلم "الزمن الباقي" (2009) للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان وفيلم "أرض مجهولة" (2002) للمخرج اللبناني غسان سلهب. وفاجأت متابعيها بظهورها في فيلم المخرج الأميركي، جيم جارمش، "وحدهم المحبون ظلوا أحياء" (2014)، وترشحت لجائزة أوسكار "أفضل أغنية" عن مشاركتها هذه.

وفيما بدا أن الفنانة بدأت تميل إلى العمل السينمائي، خصوصاً بعد ظهورها في فيلم جارمش، إلّا أنها اكتفت بالإشارة أن "هناك مجموعة من الاحتمالات".

حمدان التي تعتبر "التجريب والارتجال" مشروعها الأساسي الدائم، سألناها عن عملها الجديد فأجابت "لا أعرف"، مبيّنةً أن تلك الإجابة مرتبطة بعدة خيارات لألبوم قادم تعمل عليه حالياً. فيما تحضر الآن لإطلاق جولة موسيقية بعنوان "يا ناس" ستجوب خلالها أكثر من 20 مدينة، منها حفلة في بيروت في 25 مايو/أيار، ولندن في 7 يونيو/حزيران.
المساهمون