تونس بحسب شكري المبخوت

تونس بحسب شكري المبخوت

05 مارس 2015
+ الخط -

تُمكِّن الكتابة الروائية من استكشاف الذات، ويعدّ هذا الفعل نفسه استكشافاً آخر في مأزق الجماعة وإشكالاتها وحيرتها. هذا ما يراه الروائي التونسي شكري المبخوت وهو يفكر في المسار الذي اتخذه حين قرر أن يكتب رواية بعد مشوار كان خلاله في الضفة المقابلة، ضفة النقد والترجمة. ومن فعل القراءة المحترفة انتقل المبخوت إلى الكتابة وأصدر رواية "الطلياني" (دار التنوير) التي وصلت القائمة القصيرة لـ"جائزة الرواية العربية ـ البوكر" هذا العام.

ظلّ المبخوت منهمكاً في السنوات الماضية بأبحاثه وعمله الأكاديمي وبوضع العديد من المؤلفات في النقد الأدبي؛ فأصدر كتابي "جمالية الألفة" و"سيرة الغائب، سيرة الآتي لأيام طه حسين". كما قدّم عدداً من الترجمات قد يكون أبرزها كتاب "الشعرية" للمفكر البلغاري الفرنسي تزفيتان تودوروف، وشاركته مهمة ترجمة هذا العمل رجاء بن سلامة، و"المعجم الموسوعي للتداولية" و"دليل المؤلف وكاتب السيناريو".

بالنسبة إلى المبخوت، فإنّ تجربته في البحث أفادته في التعامل مع تقنيات السرد، لافتاً إلى أن "الصفة الأكاديمية ليست امتيازاً في الكتابة الأدبية. كما أن الكتابة الإبداعية ليست ترفاً أو لعبة، بل تحتاج إلى الكثير من الصرامة والدقة، شأنها شأن الكتابة الأكاديمية".

بالمقابل، يعتبر الروائي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن الكتابة الروائية في تونس تعاني من الغياب النسبي لعدة مهن ذات علاقة وطيدة بعالم النشر، مثل قلّة دور النشر وغياب مهنة المحرر الأدبي الذي ينتقي النصوص الإبداعية ويصفيها، إضافة إلى غياب قنوات توزيع المؤلفات، وافتقاد الساحة الأدبية للنقّاد، وقلّة عدد الجوائز الحاضنة والمشجعة للإبداع. ويبدو المبخوت منهمكاً بسؤال جدوى كتابة الرواية وقيمتها حتى وهو يكتبها. ففي الفصل الخامس من الرواية، يقول عبد الحميد، إحدى الشخصيات الرئيسية، إن "الشعر تمرين بلاغي، بينما الرواية هي أم الحقيقة الإنسانية العميقة".

تروي "الطلياني" قصة قيادي سابق في الاتحاد العام لطلبة تونس، وزير نساء، يدعى عبد الناصر، ويبدو نموذجاً مكرراً لأبناء الفلاحين أو "جذور البطاطا"، كما أطلق عليهم ماركس، القادمين من الآفاق الذين ينتفضون ويحرجون الساسة بفكرهم الثاقب ويشغلون بال الجميلات بالحب ويخلّفون دوياً أينما حلوا. لقد لفظهم المجتمع ورماهم في الهامش لكنهم دخلوه من باب آخر وخطفوا منه الأضواء عنوة.

جاءت الرواية مليئة بالوصف الإيروسي الذي تفرضه طبيعة الشخصية الشبقية لعبد الناصر. ويعتبر المبخوت أنه، رغم وجود هذه البعد، إلا أن مواضيع السرد تتنوّع وتتداخل، بين الخط الأساسي للحكاية والتفاصيل اليومية. فنجد بين طيات الرواية مثلاً تناولاً لتفاصيل من المطبخ التونسي. ويضيف أن الرواية تحتفي بالجانب اللغوي، ولعلّ أقرب مثال على ذلك العودة إلى معجم الفروسية المستخدم ككناية عن حميمية اللقاء بين جسدي الرجل والمرأة. وفي ذلك "اشتغال على الذاكرة اللغوية واستعادة لشيء من مخزونها الدلالي".

تتقصّى الرواية أحداث مرحلة مفصيلة من تاريخ تونس تتمثل في السنوات الأخيرة من حكم بورقيبة وما عقبه، أي بعد انقلاب النظام النوفمبري. فترة يقول الكاتب عنها "إنها فترة ثرية بتحولات نفسية كبرى للمجتمع التونسي لأنها كانت فترة أزمة حقيقية فيها الكثير من الأشباح التي حامت في سماء البلاد". يبيّن المبخوت أن "هذه الفترة تشبه كثيراً فترة ما بعد 14 يناير 2011، وقد فطنت إلى ذلك أثناء الكتابة. وأزعم أنني فهمت جوانب مهمّة ممّا وقع للثورة التونسية".

العودة إلى فترة منسية بعض الشيء في التاريخ المعاصر لتونس، أغرت المبخوت بمواصلة اكتشاف مصير شخصيات ذلك الزمان. وسيصدر قريباً جزآن من رواية "الطلياني" يستكشفان هذا المصير.

المساهمون