غونتر أورت.. في أرض الترجمة

غونتر أورت.. في أرض الترجمة

06 ديسمبر 2014
+ الخط -

مُحمَّلاً بالتساؤلات التي أشعلتها قراءته لرواية عبد العزيز بركة ساكن، "مسيح دارفور" (دار أوراق، 2012)، حطَّ المترجم الألماني، غونتر أورت، رحاله في الخرطوم، بدعوة من "اتحاد الكتّاب السودانيين"، للمشاركة في جلسة حوار عن الأدب والترجمة.

وكانت الرواية، التي نقل فصولاً منها إلى الألمانية ويعمل على إكمال ترجمتها، المحفِّز الأبرز لدى أورت للحضور إلى السودان في زيارة هي الأولى، لأن على المترجم، كما يقول، "معرفة البلد الذي تدور فيه أحداث الرواية التي يترجمها"، قبل أن يصف رواية "مسيح دارفور" بأنها، على خلاف ما يبدو عليها، "ليست سياسية بقدر ما هي مثال للواقعية السحرية".

جلسة الحوار، التي استضافتها دار "اتحاد الكتّاب السودانيين" في الخرطوم، حفلت بالكثير من النقاشات والأسئلة بين الحضور وأورت، عن الأدب السوداني، والأدب العربي، ومتاعب الترجمة. وخلالها، أشار أورت إلى أن اهتمامه بالسودان جاء من خلال احتكاكه، كمترجم في ورش العمل، بكثير من السودانيين في برلين، واستبق انتباهه إلى الأدب السوداني الحديث الذي حصل عن طريق رواية "مسيح دارفور".

وفي هذا السياق، أوضح، رداً على أحد الحضور، أن اختياره ترجمة هذا العمل لا علاقة له بالصورة الذهنية للسودان ودارفور في المخيّلة الأوروبية، منوَّهاً إلى أن الأدب السوداني غير متوافر باللغة الألمانية، باستثناء روايات الطيب صالح، وبعض الروايات لكتّاب مقيمين في بلاد تتحدث الألمانية، كالروائي السوداني المقيم في النمسا، طارق الطيب.

وأرجع أورت ذلك إلى "الصعوبات الإضافية" التي قال إنها تواجه الأدب السوداني في أوروبا، باعتبار أن "السودان ليس البلد العربي الكلاسيكي" المتّسق مع المخيلة الغربية، وبالتالي توجد حيرة تجاهه تتبدّى في التساؤل: "هل السودان بلد عربي أم أفريقي؟".

أورت طرح بدوره العديد من الأسئلة التي تجلّت فيها رغبته في قراءة المشهد الأدبي السوداني، فتساءل عن وجود "طفرة أدبية في السودان أو نهضة، تتمثّل في كثافة الإصدارات الجديدة للكتّاب الشباب، مثلما يحدث الآن في بلاد عربية أخرى"؛ وهو السؤال الذي اتفق في الإجابة عليه عدد من الحضور، بأن هناك تزايداً مضطرداً في عدد الكتّاب الشباب، وجدَّة موضوعية وحداثة أسلوبية تسم إنتاجهم، رغم معضلة النشر في السودان التي يواجهونها، وهي من تجلِّيات الواقع الاقتصادي الخانق.

وفي ما يتعلق بسؤاله عن حال الأدب الذي تنتجه النساء في البلد، بيَّن القاص والمترجم جمال غلاَّب أن أول رواية سودانية استوفت الشروط المعروفة لهذا النوع الأدبي، كتبتها امرأة، في الخمسينيات، وهي رواية "الفراغ العريض" لملكة الدار محمد عبد الله (1920- 1969)، مبيّناً أن معاناة الكاتبات هي ذاتها معاناة الكتّاب.

وعن أوضاع الترجمة من اللغة العربية إلى الألمانية عموماً، لاحظ أورت أن عدداً قليلاً من الكتب العربية، لا يتجاوز الخمسة، يترجم كل عام من العربية إلى الألمانية، وهو ما وصفه بأنه "رقم متواضع قياساً إلى سوق الكتاب الألماني"، وأن هذا العدد، على ضآلته، لا يأتي بمبادرة من دور النشر، بل من المترجمين أنفسهم في أغلب الأوقات، كما أن هذه الدور تتعامل مع ما سمّاه بـ"الآني"، متوقفاً عند مثال رواية "تاكسي" للمصري خالد الخميسي التي قال إنها وجدت رواجاً لبعض الوقت بسبب تداعيات الثورة المصرية. إلا أنه أكد أن معظم الأسماء العربية الكبيرة موجودة باللغة الألمانية.

وتساءل أورت، مستصحباً هذا الواقع: "لماذا تلهث دور النشر فقط، وبشكل دائم، وراء ما تعتقد أنه ذوق القراء، من دون أن تحاول التأثير على هذا الذوق؟"، وأعطى مثالاً على ذلك اقتراحه على أحد الناشرين الألمان رواية "المترجم الخائن" للروائي السوري فواز حداد، إلا أن هذا الناشر رأى أنها ربما تكون صعبة على القارئ الألماني، ومن ثمَّ اختار رواية أخرى لحداد، بعنوان "جنود الله" تتحدث عن حرب العراق وما نتج عنها من أحداث معروفة. ونوّه إلى أن هذه المشاكل لا تخصّ فقط اللغة العربية، إنما معظم اللغات غير الأوروبية.

ولم يهمل أورت متاعب الترجمة الأدبية من العربية إلى الألمانية، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بكتّاب يستخدمون اللهجات المحلية في الحوار، أو الإشارات والأطر الثقافية المحلية، ناهيك عن المجازات التي تخصّ اللغة العربية فقط ويصعب نقلها إلى لغات أخرى. مصاعب وضَّح المترجم أن له طُرُقه لتجاوزها.

يذكر أن غونتر أورت درس العربية في "جامعة إيرلانن"، جنوب وسط ألمانيا، وتخصص في الأدب العربي الحديث والترجمة، وحاز درجة الماجستير من "جامعة دمشق"، ثم نال درجة الدكتوراه في الأدب القصصي اليمني، متناولاً في أطروحته قصص محمد عبد الولي وأحمد محفوظ عمر وزيد مطيع دماج. كما أنجز عدة ترجمات لأدباء عرب، من بينها نقله إلى الألمانية أعمالاً لمحمود درويش وعباس بيضون ورشيد الضعيف.

دلالات

المساهمون