ردهات الفيلم المغربي القصير

ردهات الفيلم المغربي القصير

27 نوفمبر 2014
من "فوهة" لـ عمر مولدويرة (2012)
+ الخط -

لا يخفى على متابعي الحركة السينمائية المغربية، تحوّل البلد، في السنوات الأخيرة، إلى مركز عربي مهم للأفلام القصيرة، على مستويي الإنتاج والتنظيم. فقد دأبت عدة مدن مغربية، حتى تلك الصغيرة منها، على إقامة مهرجانات ومسابقات سنوية مخصصة للشريط القصير، فاتحة بذلك ذراعيها للإنتاجات المتزايدة لهذا النوع السينمائي في البلد.

ولا بدّ، على أي حال، من ردّ هذه الزيادة في إنتاجات الأشرطة القصيرة وفي الاهتمام بها، إلى منابعها. الحديث هنا عن دور "المركز السينمائي المغربي"، الذي عمد، في السنوات الأخيرة، إلى وضع شرط إضافي لمنح الإنتاج التي يقدمها: على الشركة التي ترغب في الاستفادة من دعم المركز من أجل فيلم طويل أن تنتج ثلاثة أفلام قصيرة قبل ذلك.

لكنّ هذا التطور على مستوى الكمّ لا يعني بالضرورة جودةً دائمة على مستوى الكيف. فما نهجه المركز من تشجيع مادي ومعنوي للفن السابع بشكل عام، وللفيلم القصير على الأخص، جعل الأمور تختلط، والنوايا والأهداف تتباين. "العربي الجديد" تبحث مع المعنيين بالموضوع في أسباب هذه الوفرة، في حسناتها، وفي عواقبها أيضاً.

عن سؤال حول هذه الظاهرة التي يعرفها الوسط السينمائي المغربي، يجيب أحمد الحريشي، الناطق باسم "مهرجان الفيلم القصير المتوسطي" في طنجة، بالقول إن هذا النوع من الأفلام لا يشكل تحدياً صعباً من الناحية التقنية أو الإنتاجية، إذ لا تجد فيه لجان تحكيم المهرجانات الصعوبات التي ستجدها وهي تقوم بمعاينة وتقييم الأفلام الطويلة.

ويؤكد الحريشي أن هذه السهولة النوعية قد تتحول إلى استسهال فني من الناحية الإبداعية، أو استسهال كمّي من الناحية الإنتاجية. بيد أن الحريشي يشير، في المقابل، إلى أنه "بين هذا الكم الثري هناك أفلام قصيرة أصبحت تعرف تميزاً كبيراً على المستوى الموضوعاتي والرؤية الفنية والحرفية الإخراجية، بحيث صارت قادرة على خلق أفق للتلقي وذائقة جمالية وصنع جمهور نوعي ومستقل خاص بها، بوصفها جنساً سينمائياً قائماً بذاته، أساسه التكثيف والاختزال، وليس، كما يعتبره البعض، تدريباً أولياً على الفيلم الطويل، الذي ندرت مهرجاناته، إذ غالباً ما يفضل المشرفون عليه المشاركة به في مهرجانات عربية وأوربية تتوافق مع سقف طموحاتهم".

الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم ينوّه بما يعرفه المغرب من نشاط ملحوظ على مستوى إنتاج الأفلام القصيرة، لكنه يتخوف من أن تكون هذه الوفرة على حساب الجودة: "بين عشرات الأفلام القصيرة التي تنتج في المغرب سنوياً، لن نعثر سوى على أربعة أو خمسة أعمال جيدة. ويمكن في هذا الصدد المقارنة بدول أخرى، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى الضفة الشمالية من المتوسط. طنجة تنظم مثلاً مهرجاناً متوسطياً معروفاً تشارك فيه أعمال مميزة قد تتفوق في كثير من الأحيان من حيث القيمة على المنتوج المغربي بأكمله".

ما يستوقف واكريم هو معيار الجودة الذي يبدو غائباً في غالبية الأعمال السينمائية التي تندرج ضمن تجربة الفيلم القصير. رغم ذلك، يشير الرجل إلى وجود أسماء استطاعت أن تقدم أفلاماً تحترم ذكاء المتلقي وتترجم مجهوده واحترافيته. وفي ما يخص كثرة المهرجانات في البلد، فإن واكريم يبدي انطباعاً إيجابياً، مؤكداً أن البلد بحاجة إلى أي نوع من المناسبات التي تحتفي بالفن السابع. لكنه يلاحظ أن هناك نوعاً من التشابه والاستنساخ، سواء في الثيمات التي تشتغل عليها هذه التظاهرات، أو في طريقة تنظيمها ومحتوى برامجها.

الممثل السينمائي محمد الشوبي، الذي قام بأداء أدوار عديدة في أفلام طويلة وقصيرة، يعزو هذه الظاهرة إلى رغبة الكثيرين في أن يتحولوا إلى مخرجين أو منتجين بهدف الحصول على مكانة اجتماعية، ولأهداف صغيرة أخرى تنحصر في الرغبة في حضور المهرجانات والسفر من مكان إلى آخر. "الكثير من مخرجي الأفلام القصيرة في المغرب شبابٌ تنقصهم المهنية والخبرة، وبالتالي، يقدمون أعمالاً ضعيفة".

ويضيف: "الكثير من الذين يحصلون على مأذونيات ورخص إنتاج وتصوير أفلام قصيرة لا يختلفون في الغالب عن الذين يحصلون على رخص استغلال مقالع الرمال. الرغبة في الحصول على الدعم تبقى أقوى من الرغبة في إنتاج عمل فني جيد". لا يضع الشوبي الجميع في خانة واحدة، فهو يستثني مخرجين مميزين هاجسهم الأول والأخير هو إنتاج أعمال سينمائية ذات جودة. "لكن هؤلاء قلة". أما كثرة المهرجانات التي تعرض هذا النوع من الأفلام، فيفسّرها بالتراجع المهول لعدد قاعات العرض، "إذ صارت هذه المهرجانات هي المناسبة الوحيدة لمشاهدة السينما، خصوصاً في المدن الصغرى".

أما الكاتب السينمائي فؤاد زويريق، فلديه انتقاد خاص للذين يعتبرون الفيلم القصيرة مجرد تمرين على الفيلم الطويل: "الكثير من مخرجينا، مع وجود استثناءات قليلة جداً لا يزيد عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة، يتخذون من الفيلم القصير مسودة انطلاق لمسيرتهم السينمائية؛ مسودة مليئة بالأخطاء والهفوات؛ أو يعتبرونه في أحسن الأحوال جسراً ثانوياً للمرور إلى الاحتراف المعترف به من قبل المؤسسات الوصية، مفضلين التراكم الكمي على النوعيّ، فقط من أجل الحصول على البطاقة المهنية لمزاولة الإخراج، أو الحصول على الدعم كمورد إضافي، دون الالتفات إلى قيمة العمل نفسه والنظر إليه كأداة رئيسية للرفع من مستوى جودة المادة الفيلمية".

وبالنسبة إلى المهرجانات والملتقيات السينمائية التي انتشرت بقوة أخيراً، فإن زويريق يثمن أهميتها في نشر الثقافة السينمائية، والتعريف بالفيلم القصير، والانفتاح على التجارب الفيلمية الأخرى في ظل تراجع القاعات السينمائية في المغرب، والتي لم تعد تتجاوز سبعين قاعة. غير أن الرجل يبقى متخوفاً من أن يكون بعض هذه المهرجانات قد "انحرف عن الأهداف المعلنة، ليصبح أداة في يد منظميه للاستفادة من الدعم، وجعله وسيلة لتحقيق مآرب أخرى لا علاقة لها بالسينما".

دلالات

المساهمون