خافيير كامبوس.. قطف عنب إلى العراق

خافيير كامبوس.. قطف عنب إلى العراق

15 يوليو 2014
+ الخط -

حين وقف سيناتور وحيد في "مجلس الشيوخ الأميركي" عام 2003 ضد غزو العراق، كان الشاعر التشيلي خافيير كامبوس (1947) متسمِّراً أمام شاشة التلفاز كملايين البشر الذين كانوا يتابعون نشرات الأخبار حينها دون انقطاع.

كان كامبوس في الثلاثين من عمره حين قرَّر العيش في "العالم الأول" قادماً من قرية نائية في جنوب تشيلي وكأنه يقفز من عالم إلى نقيضه. واكتشف أن الجمال في ذلك العالم قائم على فكرة الاستهلاك، فكرة السوبرماركت، وفكرة البضائع المتوفرة التي لا تحتاج لأيد بشرية، فما كان من ذلك القروي البسيط إلا الاندهاش أمام منظر تفاحة تخرج من ماكينة كهربائية حين يضع بها النقود، دون حاجة إلى الحديث مع البائع.

لقد صدمته الأسواق الضخمة في الولايات المتحدة المزوَّدة بنظام تكييف صيفاً وتدفئة شتاء، والتي تتكدَّس فيها بضائع ـ حتى فوق الحاجة ـ من كل أنحاء العالم. عالَمان أحدهما متفوق على الآخر ويودُّ إثبات ذلك باجتياحه. كان كامبوس يرى العالم العربي أيضاً في سوبرماركت أميركا الكبير، وكانت البضائع تتحول في مخيلته الشاعرية إلى جنود وآبار نفط وشعوب وحكام وجيوش حين قرّر أن يكتب قصيدته "السوبرماركت" الحاضرة في عدة انطولوجيات في تشيلي وأميركا اللاتينية ولا يدع الشاعر مناسبة تمرُّ إلا ويقرأها.

خضعت قريحة كامبوس الشعرية في تلك اللحظة لنداء القصيدة، فكامبوس يعتقد أن الفنان ليس مضطراً إلى الالتزام السياسي بل الإبداعي المبني على المخيلة. وما كانت قصيدته "السوبرماركت" عن الغزو الأميركي للعراق إلا نتاج إحساس عارم وانفعال لحظي دفعه إلى كتابتها. ويؤكد أن الخيال أهم عناصر الكتابة، والقصيدة لا تعود ملك الشاعر بل ملك القارئ والسامع، وهي قد لا تعني شيئاً لبعضهم، وقد تلفت نظر آخرين إلى تفصيل يرتبط بالإشكاليات الإنسانية كالحب والحرب والبلاد المقموعة.

ومع أنه رأى في العدوان الأميركي على العراق واحتلاله موضوعاً جاداً لكتابة قصيدة، إلا أنه لا يطالب الشعراء الآخرين بالكتابة عن الويلات أو الحروب التي تحيط بهم: "ليس شرطاً أن تكتب عن الحرب إن عشت في بلد تعاني من ويلاتها، لربما لا يمكنك الكتابة عنها الآن بل في وقت آخر وبطريقة أفضل، فكما قال الشاعر خوان خيلمان: الشاعر ليس مبشراً لأحد".

يحلم كامبوس كملايين الناس بعالم بلا حروب، ورغم أن تاريخ الإنسانية منذ آلاف السنين حافل بها، إلا أنه يظن أنّ على الشاعر ألا يتوقف عن الشجب والضغط في المجال السياسي كي لا يرى العالم يغرق في الحروب والمحارق من جديد.

كانت طفولة كامبوس معجونة بالقسوة والتعب؛ فقد عاش سنين عمره الأولى بمنأى عن أمِّه، أما الأب فكان مجهول الهوية. وإن بدأت بوادر الكتابة لديه بالتشكل في الخامسة عشر من عمره، إلا أن فكرة الكتابة نضجت عنده بعد العشرين. ومثلما اتَّضح له أن الكاتب لن يجني من أعماله أي أرباح أو مكاسب مادية، علَّمته الخبرة أنه إما أن يكون محظوظاً جداً أو قادراً على نسج العلاقات العامة في لحظات معينة. في مشهد لا يختلف كثيراً على ما يبدو عن مشهدنا الثقافي العربي.

لكامبوس رؤيا ظريفة في الكتابة تبدو الأخيرة فيها قريبة جداً من الرسم. فالكاتب يكتب ما لا يراه الآخرون، كما الرسام الذي يحملك على التمعُّن في أشياء لم تلتفت إليها سابقاً. كتابة الشعر عنده هي التعبير عن تلك الطريقة الأخرى في رؤية أشياء كثيرة في حياتنا الداخلية والخارجية، سواء في بلاد الكاتب أو خارجها.

ومع أن الغزو الأميركي للعراق كان على مرأى ومسمع من العالم، لكن شاعراً شفّافاً مثل كامبوس يعتقد أن قارئاً في مكان ما من العالم سيقرأ يوماً عن السوق الأميركي الضخم الذي لا يشير فقط إلى العولمة بل إلى طمع "العالم الأول" الذي يريد أن يجعل من هيمنته سوقاً كبيرة لبضائع مسروقة.

لم توقِف قصيدة "السوبرماركت" وقصائد أخرى مثلها غزو العراق واحتلاله ومحاولة تدميره، لكنها بالتأكيد كانت قطف العنب الوحيد الذي ذهب من تشيلي إلى العراق.

قصيدة السوبرماكت 

المساهمون