أيمن حلمي.. حالة مصرية

أيمن حلمي.. حالة مصرية

23 نوفمبر 2014
+ الخط -

كان للأحداث التي سبقت ثورة "25 يناير" المصرية أثر كبير في تشكيل تجارب بعض الفنانين الشباب الذين ارتبطت همومهم الفنية بهموم الشعب المصري، وسعوا إلى التعبير عن حقوقه التي تجلّت أثناء الثورة في شعارها الأبرز: "عيش - حرية - كرامة إنسانية".

الموسيقي الشاب أيمن حلمي (1978) واحدٌ من هؤلاء. فمنذ حادثة حريق "مسرح بني سويف" الشهيرة (2005) التي راح ضحيتها أكثر من خمسين مصرياً، شارك الفنان الشاب في الحركة الاحتجاجية التي كانت قد بدأت تنخر في نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ انضم إلى حركة "5 سبتمبر" التي شكّلها عدد من الفنانين والمثقفين المصريين آنذاك للمطالبة بإقالة وزير الثقافة السابق فاروق حسني، وتعويض أُسر الضحايا، لكن جهودهم راحت هباء.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول حلمي عن تلك الفترة: "لم أجد طريقة للمواجهة إلا بالفن، فكانت أغنية "يا عزيز عيني" محاكاةً لأغنية سيد درويش الشهيرة. في ذلك الوقت، شعرت أن وضع المصريين لم يتغير منذ زمن درويش، فاستخدمت الجملة الأساسية في أغنيته وغيّرت كلماتها ضمن رؤية لحنية مختلفة، وغنّتها للمرة الأولى فرقة "حالة" المسرحية عام 2006، قبل أن يستخدمها المخرج إبراهيم بطوط في فيلمه "عين شمس"، حيث أدّتها الفنانة مريم صالح، ليعود محمد منير فيغنّيها في فيلم تسجيلي".

منذ هذه الأغنية ومشروع حلمي يسير بالتوازي مع الأحداث في مصر، مرتكزاً بشكلٍ رئيس على الموروث الشعبي: "تجربة التلحين تستدعي استلهام التراث الذي بداخلك، وأنا تأثرت بالألحان الفلكلورية؛ لأنني أعتقد أن الفلكلور أهم ما يميز أي شعب. فهو نتاج جماعي شاركت في تأليفه أجيال كاملة؛ كما أنّه خيار حقيقي للشعب".

يرجع اعتماد حلمي على العود كآلة أساسية إلى انحيازه إلى الموسيقى الشرقية وإيمانه بهويته الفنية العربية: "سيد درويش وبليغ حمدي من أهم روافدي الموسيقية، إلى جانب أغاني الفلاحين في الدلتا وأغاني الصعيد والساحل".

وعن مزج الأنواع الموسيقية ببعضها بعضاً، واستعانة بعض الفنانين بالقوالب الغربية، يقول: "هناك قواعد عامة للموسيقى، سواء كانت شرقية أو غربية. التلحين، مثلاً، له قواعده في الانتقال من مقام إلى مقام؛ حتى إذا أردت أن تكسر هذه القاعدة، يجب أن يكون لهدفٍ إبداعي وبشكل واع".

ظلّ حلمي متمسّكاً بالموروث الموسيقي المصري في مرحلته الأولى، ولم يحصر ذلك في بيئة فنية واحدة. فبعد اعتماده على ألحان سيد درويش، لجأ إلى أغاني "السمسمية" الساحلية. في هذا السياق، يقول: "جاءت أغنية "بتغني لمين" لتُقارِب تراث الساحل لكن برؤية موسيقية جديدة. وقد أهديت هذه الأغنية إلى والدة الشهيد السكندري الشاب خالد سعيد، الذي لقي مصرعه على يد الشرطة، وكانت تلك الحادثة نواة لانتفاضة المصريين في 25 يناير".

كان من الطبيعي بالنسبة إلى فنان وضع نفسه في قلب الأحداث، منذ البداية، أن يشارك في الثورة التي شهدتها مصر. وبطبيعة الحال، لهذا أثره على الشكل الفني الذي يقدّمه الموسيقي بهدف رصد الشارع وصوته: "الثورة كان هدفها التغيير، لكنها لم تأخذ فرصتها الكافية، لذلك لم تأخذ الموسيقى، بدورها، فرصتها. إلّا أن الأمر الإيجابي الوحيد هو أن الثورة سمحت للناس أن يسمعوا في الشوارع والميادين أنماطاً مختلفة من الغناء للمرة الأولى".

ومن هنا، كانت أغنية "الشعب يريد" أوّل أغنية لحّنها للثورة، وهي من كلماته وغناء الفنانة شيرين عبده. يقول حلمي عن هذا العمل: "السياق السياسي والجماهيري الذي وُلدَت فيه هذه الأغنية أثّر على طريقة تلحينها، فكانت أولى محاولاتي في استخدام الآلات الغربية (البيانو والبيس غيتار)".

وحول انتشار ظاهرة فرق الـ "أندرغراوند" في مصر، يقول: "فرق الـ "أندرغراوند" كان عصرها الذهبي أثناء الثورة التي كشفت الغطاء عن عدد منها. بعض هذه الفرق كان موجوداً من قبل، والآخر تزامن ظهوره مع الثورة، بل أخرجت الاحتجاجات الشعبية بعض هذه الفرق من إطار الـ "أندرغراوند"، لتصبح فرقاً معروفة لدى الناس، مثل فرقة "كايروكي". لكن المشكلة العامة لهذه الفرق تظل في الإنتاج وأماكن العرض، خصوصاً في ظل غياب دور الدولة في التعاون معهم، إلى جانب إلغاء بعض البرامج التلفزيونية التي كانت تستضيفهم وتقدّمهم إلى الجمهور، مثل "البرنامج" لباسم يوسف، وما حصل أخيراً عبر إلغاء فعالية "الفن ميدان"، التي كانت بمثابة متنفّسٍ لهم".

شارك حلمي في تأسيس مهرجان "الفن ميدان" منذ نشأته عام 2011، وظلّ ناشطاً فيه حتى آخر احتفالية له قبل إيقافه في آب/ أغسطس الماضي. وحول هذه التجربة، يقول: "منحني "الفن ميدان" فرصة مواجهة الجمهور في الشوارع بلا حواجز، إيماناً بأن الشارع ملك للناس وليس للنظام، فقدّمت بعض التجارب مع نغم صالح كعازف عود"، وعن توقف أنشطة المهرجان، يضيف: "ليست مفاجأة بالنسبة لي لأن هذا القرار يتوافق مع سياسة النظام المصري الآن الذي يمنع كل شيء تحت شعار الحرب على الإرهاب!".

وعن البيروقراطية التي تمارسها المؤسسات الثقافية في مصر وأثرها على المشاريع الفنية، يقول صاحب "سرقوا الدستور": "مشكلة وزارة الثقافة الأساسية أنها تفتقر إلى وجود سياسات ثقافية واضحة. الأوبرا، مثلاً، أثبتت فشلها في تبنّيها شكلاً واحداً من الموسيقى؛ فهي تعمل على إعادة إنتاج الأغاني القديمة فقط، من دون تقديم أي إضافة".

ويضيف حلمي: "الفنان في مصر يعيش قصة كفاح طويلة. الصعاب التي يواجهها قد تودي به إلى الفشل. أنا، مثلاً، بدأت العمل كمترجم، وأردت أن يكون لي مشروع فني بعيداً عن عملي، لكن المؤسسات الرسمية التي لا تكفّ عن محاصرة الإبداع وتحجيمه؛ جعلتني ألجأ إلى العمل بعد الثورة في مؤسسة "المورد الثقافي"، لكن النظام الحالي الذي يُخضع مؤسسات المجتمع المدني إلى رقابته، أغلقها أيضاً بعد تعديل قانون العقوبات".

المساهمون