"مهرجان كناوة" في لاهاي: موسيقى لضحايا زلزال المغرب

"مهرجان كناوة" في لاهاي: موسيقى لضحايا زلزال المغرب

12 سبتمبر 2023
من أحد عروض المهرجان
+ الخط -

في عام 2018، انطلقت االنسخة الأولى من "مهرجان كناوة" في لاهاي (65 جنوب غرب أمستردام) الذي يكرّس اسمه نمطاً موسيقياً يكثّف التمازج الحضاري العربي الأمازيغي الأفريقي في شمال أفريقيا، في تداخلاته بالتراث الصوفي وبالمواسم الاجتماعية المختلفة وحضورها كجزء من الطقوس الشعبية في التداوي التقليدي.

عناصر متعدّدة حضرت في الدورة الأخيرة من المهرجان التي انطلقت في السابع من الشهر الجاري في المدينة الهولندية واختتمت مساء أول أمس الأحد، وتضمّنت عروضاً موسيقية عدّة إلى جانب معرض للكتاب بتنظيم من "مركز Amare الثقافي".

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير المدير الفني للمهرجان محمد الأمين الكرخي إلى البعد الثقافي الذي تمثّله "كناوة" التي بات كثير من العازفين من مختلف ثقافات العالم يمزجها مع أشكال موسيقية معاصرة، ويذهبون إلى مدينة الصويرة المغربية للاقتباس أو الاستلهام من الفن الموسيقي الكناوي، موضحاً أن هذا الفن يرتبط بجانب من جوانبه بموسيقى العبيد التي عبّروا من خلالها عن توقهم إلى الحرية والتحرّر من العبودية.

يقدّم المنظمون أنماطاً من التراث الموسيقي للمدن الساحلية العربية في الدورات المقبلة

وينبّه إلى وجود صلات قديمة بين مدينتي الصويرة ولاهاي (التسمية المعتمدة لدى الهولنديين) التي ساهمت في تحرير الأولى من الاستعمارين الإسباني والبرتغالي خلال القرن السادس عشر، ولا تزال هناك بعض المدافع التُي نُقش عليها اسم "دن هاخ" موجودة في مرفأ الصويرة، في إطار التنافس الاستعماري بين هولندا وبين إسبانيا والبرتغال.

وينبّه أيضاً إلى ما تمثّله الكناوة بتحرّر العبيد في سياق تقديم ملك هولندا اعتذاراً رسمياً هذا العام عن ممارسة بلاده العبودية خلال الحقبة الاستعمارية، وكانت بلاده قد قدّمت اعتذارها للشعب السورينامي عن استعماره لحوالي ثلاثة قرون ونقلهم كعبيد إلى هولندا عبر مدن أفريقية ومنها الصويرة، ووعدت بدفع تعويضات له.

الصورة
من "معرض كناوة للكتاب"
من "معرض كناوة للكتاب"

ويبين الكرخي إلى أن الدورة الحالية استمرت أربعة أيام بينما أُقيمت الدورة الأولى في يوم واحد، كما تطوّرت برمجة المهرجان لتشمل اليوم عروضاً موسيقية وورش اليوغا وعروض الأفلام السينمائية وعروض الفرجة التي لها علاقة بموسيقى كناوة، كما تمّ تنظيم تظاهرة جامع الفنا في لاهاي بهدف التعريف بالمنتوجات التراثية والآلات الموسيقية التقليدية إلى أدوات الطبخ والمأكولات المغربية، واستضاف المنظّمون العدّاءة المغربية فاطمة الزهراء الإدريسي.

ويُضيف "نعتمد برمجة مفتوحة على الأفق الجغرافي لموسيقى كناوة في الجزائر والمغرب وبلدان أخرى في القارة الأفريقية، حيث شاركت في الدورة الأخيرة فرقة "ليما" الجزائرية التي تضمّ نساء يقدّمن تراث كناوة، وشاركت أيضاً فرقة من مالي تمزج بين التراث الكناوي وموسيقى الجاز، وعرض مشترك بين الموسيقى السورينامية وأداء المعلم مجيد بقاس، أحد أبرز موسيقيّي الكناوة في المغرب.

الصورة
من أحد عروض المهرجان
من أحد عروض المهرجان

وساهم الكرخي في تأسيس دورة أولى من "معرض كناوة للكتاب" ضمن فعاليات المهرجان، تشارك فيه عشرات دور النشر العربية والأوربية بسبعة آلاف عنوان تركّز على تاريخ شمال أفريقيا والتراث المغربي خصوصاً، باللغات العربية والهولندية والإنكليزية، مع تنظيم أمسيات شارك فيها شعراء من فلسطين والعراق والهند وهولندا والأوروغواي، وحفلات توقيع الكتاب، ويُخطّط في الدورات المُقبلة تخصيص مساحة أكبر للكتاب الموسيقي.

وأُقيمت هذا العام ليلة كناوية في أمستردام، بحسب الكرخي، الذي يُوضّح بأن العام المُقبل سيشهد إقامة حفلات خارج العاصمة الهولندية كروتردام وأوترخت بالإضافة إلى لاهاي. ولإدامة الصلة مع الجمهور، يسعى المنظّمون إلى إقامة ليلة كناوية أو معرض فوتوغرافي يرتبط موضوعُه بكناوة مرّة كلّ ثلاثة أشهر.

أما مدير المهرجان مصطفى بربوش، فيلفت في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أزمة الهوية لدى الأجيال الجديدة من المهاجرين في هولندا وأوروبا، التي لديها بُعد عاطفي في انتماءاتها إلى بلدانها الأصلية بينما لا يعلمون الكثير عن خصوصيتهم الثقافية في المغرب وشمال أفريقيا التي لا تتطرّق إليها المناهج الدراسية الهولندية، ولا يوجد كذلك اهتمام من قِبل الحكومة المغربية بتقديم برامج ثقافية مُستدامة على غرار ما تقوم به حكومات أُخرى.

ويرى أنّ هولندا شهدت خلال ربع القرن الأخير حراكاً ثقافياً عربياً مع هجرة العديد من المثقّفين العراقيّين واستقرارهم فيها، وجرت استضافة العديد من الشعراء والمثقّفين العرب إلى مدن هولندية بالتزامن مع اهتمام بعض المكتبات في المدن الكبرى بالكتاب العربي، وتوزيع آخر الإصدارات التي أُزيلت من رفوف المكتبات تطبيقاً لسياسات الاندماج التي تتّبعها السلطات الهولندية، وحالياً تتوفّر القواميس فقط، ثم قدِمت موجة من اللاجئين السوريين ما زاد من زخم الحضور الثقافي العربي، بحيث لا يمرّ شهرٌ إلّا ويُنظَّم معرض للكتاب العربي في مدينة هولندية.

من جهته، يبيّن الكرخي أن تزامن التظاهرة مع الزلزال الذي وقع في المغرب، جعل التفكير بداية بإلغائه لكن استقرّ الحال على إيجاد صيغة تضامنية مع الضحايا وذويهم لذلك تمّ التركيز على البعد الروحي لموسيقى كناوة، وأنشئ فضاء خاص للصمت والحداد، مع تقديم عائدات الحفلَين الأخيرين كتبرُّعات للضحايا.

ويختم الكرخي بالإشارة إلى تقديم ألوان من موسيقى المشرق العربي مع كناوة في الدورات المُقبلة، من خلال تجارب نوعية ومؤثّرة ترتبط بشكل خاص بتراث المدن الساحلية العربية إلى الجمهور.
 

المساهمون